كان يجب على الروس ألا يستغربوا تعرض سفارتهم في دمشق للقصف المدفعي الذي تعرضت له، وكان عليهم ألا يصفوا الذين قصفوها بأنهم "إرهابيون"، وذلك لأنهم من أبناء الشعب السوري، ولأن الشعب السوري بغالبيته الساحقة ضد هذا النظام الذي يقول إنه استدعى القوات الروسية لـ"احتلال" سورية، وبالتالي فهو ضد كل هذا الوجود العسكري الروسي، الذي ستثبت الأيام المقبلة أنه كان خطأ فادحاً ارتكبته موسكو، على غرار خطأ التدخل في أفغانستان في زمن الاتحاد السوفياتي، الذي ذهب وتلاشى بلا عودة أو رجعة.

Ad

   عندما تتفق روسيا وإسرائيل على "آلية" تنسيق عسكري بينهما بدون عِلْم ومعرفة بشار الأسد ووزير خارجيته، الذي كان قال، قبل أيام قليلة وهو يكاد يطير فرحاً وحبوراً: "إن الوجود العسكري الروسي في سورية سوف يقلب الموازين"! ألا يعني هذا إهانة للشعب السوري وانتهاكاً لسيادة بلده؟!... وألا يعني أن هذا "الوجود" هو احتلال أجنبي لدولة يُفترَض أنها مستقلة، وأن من حق شعبها أن يقاوم هذا الاحتلال بكل وسائل المقاومة وأساليبها؟!

   كان يجب على موسكو أن تدرك هذه الحقيقة، وكان على كبار مسؤوليها ألا يغيب عن بالهم أن اتفاق "التنسيق" هذا بينهم وبين الإسرائيليين يعتبره الشعب السوري اتفاقاً بين مُحتلين، وذلك على أساس أن إسرائيل تحتل جبل الشيخ وهضبة الجولان، وأن روسيا من خلال هذا الوجود العسكري المتزايد، ومن أن الرئيس فلاديمير بوتين قد أصبح هو صاحب القرار الأول في هذا البلد العربي، قد أصبحت روسيا بمثابة دولة احتلال كإسرائيل.

 بعد اتفاق التنسيق العسكري... وربما السياسي أيضاً بين روسيا وإسرائيل، فإن دور الحكومة السورية، بدءاً من رئيس النظام بشار الأسد وانتهاء بأصغر موظف في وزارة الخارجية، قد أصبح ملغىً، وأن القرارات المفصلية والرئيسية قد أصبحت عند الحليفين الجديدين فلاديمير بوتين وبنيامين نتنياهو، ولذلك فإن الوجود العسكري الإيراني في سورية؛ الحرس الثوري والمجموعات الطائفية التي جرى استيرادها من كل حدب وصوب، قد أصبح في حكم المنتهي، وأنه لا ظهور للجنرال قاسم سليماني ولا لغيره بعد الآن على الأراضي السورية.

  لن يسمح الروس والإسرائيليون، بعد اتفاق التنسيق الآنف الذكر الذي توصلوا إليه، بوجود "عنصر" واحد من "حزب الله" اللبناني على الأراضي السورية، وهكذا، وبالطبع فإن حسن نصر الله لن يفاخر ويفتخر بعد الآن بأنه "مقاتل في فيلق الوليِّ الفقيه"... وهنا يُفترَض أنه بات واضحاً ومعروفاً، من خلال تجربة نحو خمسة أعوام ماضية، أن هذا الحزب كان مجرد "بالون" هوائي، وأن قوته وبطولاته كانت مجرد كذبة كبرى!

  سيعود "حزب الله" مرغماً إلى لبنان، وسيعود وهو مثخن بجراح الخيبة، فكل تهديده ووعيده قد ذهب أدراج الرياح، والشاهد هو معارك الزبداني التي أثبتت كذبة أنه لولاه لما صمد نظام بشار الأسد ثلاث ساعات، وهنا فإن الخوف كل الخوف أن يعود هذا الحزب إلى لبنان ليفتعل مشكلة مع بيروت الغربية، لإثبات أنه لا يزال بلياقته العسكرية السابقة، وأنه إن لم ينجح في سورية فإنه لا يزال هو صاحب الحوْل والطول على الأراضي اللبنانية!