اهتمامي بالأفلام القصيرة (روائية، تسجيلية وتحريك) يعود إلى فترة مبكرة من حياتي عشقت فيها، من قبل أن يفرض الزمن إيقاعه اللاهث، هذه السينما، وسعيت إليها، رغم ندرة عروضها والتجاهل الذي كان يواجهه صانعوها، ومن ثم وجدت في برامج مثل «سينما في علب» للإذاعي شفيع شلبي و{سينما لا تكذب ولا تتجمل» للناقد علي أبو شادي، ضالتي التي شفت غليلي، وإن لم ترو ظمأي، وربما لهذا السبب كان أول ما فعلته، عندما تهيأت الظروف، أن تقدمت لقيادات التلفزيون المصري بفكرة برنامج «اتفرج يا سلام»، الذي يُعنى بعرض الأفلام القصيرة، ولا يلقي بالاً للأفلام الروائية الطويلة.

Ad

من هنا كان طبيعياً أن تحظى الأفلام القصيرة باهتمامي في كل مرة أتواجد فيها بمهرجان سينمائي ما، سواء داخل مصر أو خارجها، ولم أصدق نفسي عندما حققت العلامة الكاملة في الدورة الـ 11 لمهرجان «دبي السينمائي الدولي»، وتمكنت من مشاهدة جميع الأفلام المشاركة في مسابقة «المهر القصير»، وهو الإنجاز الذي أتمنى تكراره في الدورة 12 التي تبدأ في التاسع من ديسمبر المقبل، خصوصاً أن قائمة الأفلام تبدو مشجعة للغاية، فمن مصر يقدم المخرج شريف البنداري فيلمه الجديد «حار جاف صيفاً»، في عرضه العالمي الأول، ويروي من خلاله قصة لقاء في يوم صيفي بالقاهرة يجمع بين شخصين وحيدين، وينتهي بتقربهما بينما تصور المخرجة منة إكرام في فيلمها «العجلة»، في عرضه العالمي الأول، جوانب من الحياة اليومية لزوجين مكافحين، يعملان في سيرك، ويقرران البدء في حياةٍ جديدة تتناغم مع تحديات العرض الجديد الذي سيقدمانه، ومن الأردن يُشارك المخرج يحيى العبد الله بالفيلم الصامت «الطابق الخامس غرفة رقم 52»، الذي يُعرض للمرة الأولى عالمياً، ويتناول قصة فتاة وحيدة تبحث عن الغرفة رقم 52، لتلتقي فيها بعامل بناء بينما يسرد المخرج التونسي جميل النجّار في فيلمه «غصرة»، في عرضه العالمي الأول، حكاية سائق سيارة أجرة تضطره الظروف إلى مغادرة سيارته لقضاء حاجته وسط الطبيعة لكنه يتعرض لكثير من الأحداث غير المتوقعة. أما المخرجة المغربية مريم توزاني فتروي في فيلمها «آية مشت البحر»، في عرضه العالمي الأوّل، قصة الطفلة «آية»، التي تبلغ من العمر عشرة أعوام، وتبدو مجبرة على العمل كخادمة في الدار البيضاء، لكنها لا تكف عن حلم العودة إلى قريتها مع اقتراب العيد.

يخطئ، بالطبع، من يتصور أن الأفلام القصيرة تميل إلى المهادنة، ولا تثير مشاكل من أي نوع، فمن خلال متابعتي أستطيع القول إن الكثيرين من مخرجي هذه الأفلام استثمروا مناخ الحرية التي تنعم بها، والأضواء القليلة التي تُسلط عليها وعليهم، وتحرروا من القيود التي تكبل الأفلام الطويلة، وأطلقوا العنان لأنفسهم في طرح الكثير من القضايا الشائكة، مثلما فعل المخرج الفلسطيني باسل خليل في فيلمه «السلام عليك يا مريم»، الذي تدور أحداثه في منطقة يخيم عليها الصمت والعزلة وحقول الألغام في الضفة الغربية، حيث تفاجأ خمس راهبات يعشن في دير «راهبات الرحمة» بوصول عائلة يهودية تائهة إلى الدير، ولا تجد الراهبات بداً من مساعدة العائلة وإلا فلن تتمكن من مغادرة المكان. أما المخرجة السعودية فايزة أمبا فتعود في فيلمها «مريم»، الذي يُعرض للمرة الأولى في العالم، إلى العام 2004 عندما وافقت فرنسا على قرار منع ارتداء أي رمز ديني في المدارس الحكومية مما أوقع «مريم»، التي وُلدت في فرنسا من أبوين عربيين، وارتدت الحجاب، بعد أداء مناسك الحج مع جدتها، في أزمة، كونها تتظاهر، مع  بداية العام الدراسي، أن القانون غير موجود ولا تريد الاعتراف به!

ومن فلسطين أيضاً يأتي فيلم «في المستقبل... أكلوا من أفخر أنواع البورسلين»، الذي يُعرض للمرة الأولى عالمياً، من إخراج لاريسا صنصور وسورين لاند، ويسلط الضوء على الصراع الحالي في فلسطين، حين تقوم إحدى كتائب المقاومة بدفن البورسلين في فلسطين، كي يتمكن علماء الآثار في المستقبل من العثور عليه، في محاولة لدعم قضية وطنهم الضائع بينما يقترب المخرج الفلسطيني نصري حجّاج في فيلمه «الحقل القرمزي»، في عرضه العالمي الأول، من قصة الشاب الفلسطيني السوري اللاجئ، الذي يقرر الفرار من سورية التي مزقتها الحرب، بحثاً عن حياة أفضل، غير أنه يُفاجأ بأن عليه أن يقطع رحلة شاقة عبر تركيا،  اليونان، مقدونيا، صربيا، المجر والنمسا، ومن المنتظر أن يثير العرض العالمي الأول لفيلم «حجاب الغيرة» للمخرجة المغربية ابتسام غوردا جدلاً كبيراً، حيث يقدم الشاب المسلم المتدين الذي يعشق زوجته «إينور» لكن الغيرة تقتله، والشكوك تأكله، بعد أن تعرفت إلى صديق جديد، وكان عليه أن يسأل نفسه: من تكون المرأة التي تختبئ تحت البرقع؟