خارج السرب: الفضل لله
الأحداث التي تداهم مجتمعاً ما، تشبه سيلاً هادراً يجرف من أمامه وبكل سهولة الرمال والصخور الصغيرة والنباتات الضعيفة، ولكنه يقف عاجزاً أمام كبار الصخور وعوالي الشجر المتجذرة عميقاً في التربة، ونحن سيداتي آنساتي سادتي مجتمع سيول! فكل حدث هنا هو سيل مزيل لمكياج شعاراتنا الفاقع عن وجه مشاعرنا الحقيقية، مظهراً وجه أشيائنا كما هي يا ربي كما خلقتني، وجوه شاحبة خالية من شوائب الأشعار المتفجرة، وثغور زرقاء تفتقد دسم الكلمات المنمقة، وخدود قيم غائرة كانت قبل السيل خدودا متوردة منفوخة ببوتكس المثالية، كل قطرة سيل تنزل هنا تزيل كحل عين حقيقة نفاخر برمشها السايح لتظهر عين حقيقة أخرى رمداء أعيا أهدابها غبار الجفاء والاستغلال! حدث وفاة النائب نبيل الفضل هو بعض سيولنا، سيل تلاطمت عبره أمواج ردود أفعالنا كالعادة، موجة حزينة مؤيدة لمواقف الفضل استغلت الظروف لتلطم جوانب سفن المعارضة لتغرقها ولتقد قميص قضاياها من دبر مستعينة بتلك الريح الصرصر العاتية التي تولى نفخها مع الأسف بعض الشامتين بالموت من المعارضين، وموجة فرح معارضة سياسيا لمواقف الفضل تسابق أيام عزائه لاهثة لتغرق أكبر عدد ممكن من "مراكب القيم المجتمعية"، نكاية وتشفياً بموانئ الخصوم، وما بين تلاطم الموجتين كانت الصخور الكبار والأشجار العالية من كلا الجانبين معارضة وموالاة تحاول الصمود، وتهمس كل حين في أذن الأمواج: "دعوا الفضل لله، واحرصوا على فضل أخلاقكم وقيمكم"، صخور ثوابت وأشجار تاريخ تمد يد أغصانها الطوال وسفوحها العراض محاولة إنقاذ أكبر عدد من قيم المجتمع الغارقة، كلا الموجتين عاثت في موانئ قيمنا المجتمعية فسادا ما تشيله "التعابير"! كان يوم وفاة الفضل، كما أسلفت، سيلا من سيولنا يستحق، ولا شك، كما سبقه وكما تعودنا طوال تجاربنا السياسية، مسمى "يوم الطبعة القيمية"!
أسطول قيمنا الراسخة أعطاكم عمر نقائه، فهو ما بين سفينة فروسية غارقة، وما بين مركب تكسّب تلتهم نيران المصلحة شراع مصداقيته، حطب قيم مجتمع متناثر هنا وهناك، يعوم حائراً فوق صفحة سيول الأحداث، حطب مبلل لا ينفع لإشعال نار ميثاق شرف تدفئ جسد مجتمع مرتعش أنهكه زمهرير جليد السياسة وعواصف أقطابها المتجمدة."إن كانت نار السياسة ما تشب إلا بحطب قيمنا وأخلاقنا، فلا بارك الله بسياسة ما تورث إلا رماد مجتمع"، العبارة السابقة هي للصديق المدون خالد العتيبي "حاكي عقالي"، شكراً أبا منير على خاتمة رائعة كجهيزة قطعت قول كل خطيب "أسأل الله أن يحسن خاتمتنا ويرحمنا ويرحم أمواتنا وأموات المسلمين".