لا ينفصل «الأدباء والمثقفون» عن واقع الحياة من حولهم، ولا ينعزلون عن اهتمامات مجتمعاتهم، ويصل الأمر إلى المشاركة في فعاليات غير أدبية الطابع. في وقت ينشغل فيه المصريون باختيار نواب لبرلمانهم المعطل منذ سنوات، تستدعي الذاكرة سير «أدباء تحت القبة» حجزوا مقاعد في البرلمان، وآخرين تنافسوا على لقب «الأديب النائب»، بينما لم يفت قامات بحجم نجيب محفوظ أن تعلق على الأمر وتتحدث في الشأن البرلماني.

Ad

حضور فاعل

 

في الماضي تولى أول رئيس لجامعة القاهرة أحمد لطفي السيد رئاسة حزب سياسي، أطلق عليه {الأمة}، وقرر خوض منافسات برلمانية، وترشح عن دائرة محافظة الدقهلية. عرف عنه تنظيمه مؤتمرات جماهيرية لم تخلُ من طابع تنويري وتعريفي بدور الديموقراطية والحقوق الانتخابية .

كذلك فاز الأديب البارز عباس العقاد بمقعد في مجلس النواب، وخاض معركة سياسية أدبية عندما دافع عن حقوق الشعب التي ينص عليها الدستور، وهاجم حينها الملك فؤاد بشكل مباشر، ما تسبب في تقديمه للمحاكمة بتهمة إهانة الذات الملكية، وحكم عليه بالسجن تسعة أشهر (1933)، وكان توفيق الحكيم عضواً في مجلس الشورى ضمن الأعضاء المعينين  مع الأدباء والفنانين، من ضمنهم محمود المليجي ومحمد عبد الوهاب.

 الكاتب والروائي أنيس منصور ظل عضواً في البرلمان 24  سنة، وتم اختياره لأول مجلس شورى في عهد الرئيس السادات (1980)، وامتدت عضويته من 1980 إلى 2004، كونه عضواً في لجنة الثقافة وفي لجان البرلمان التي شارك فيها.

كذلك كان البرلمان حاضراً في ذهن أديب نوبل نجيب محفوظ، فاعتبر أن الانتخابات البرلمانية ليست غريبة على الشعب المصري، بحلوها ومرها، كما أنه عرف الانتخابات النزيهة وغير النزيهة، مؤكدا أن الشعب المصري يمتلك قدرة على التمييز بين نزاهة الانتخابات والتلاعب بها.

معادلات سياسية

 

يشير الأديب والكاتب مكاوي سعيد إلى أن غياب المثقفين أو الأدباء عن  مجلس الشعب المصري، يعود إلى حالة عزوف كلية، لم تجذب شرائح مختلفة سواء للمشاركة أو التصويت، فثمة فئات لم تنل فرصة التمثيل، من بينها الأدباء، هنا {المعادلات السياسية} هي المتحكم الأول.

يضيف: {رغم ذلك، وعلى مدار تاريخه، لم يعرف عن البرلمان المصري استعانته بأدباء أو مثقفين وشعراء، وكانت حظوظ  حضورهم {رمزية} للتمثيل الشرفي، مرجحاً أن يكون ذلك هو الوضع الصحيح، فبرلمانات العالم ميدان للسياسيين وليس الأدباء والمبدعين . من هنا،  على الأديب أو المثقف ابتكار منابر يظهر عبرها ولا يشترط أن تكون مجلس النواب}.

يعزو الشاعر حمدي شتا غياب المثقفين عن البرلمان المصري إلى {جزء من كل} مشهد يعكس غياباً تاماً للمثقفين عن تفصيلات الحياة في مصر سياسياً واجتماعياً، موضحاً أن توجهاً منظماً، على مدار عقود كاملة، حارب المبدعين وأقصاهم عن زمام الأمور لدرجة جعلت الناس يألفون هذا الغياب، وينزعجون من ظهور {المثقف} في أي من مواقع حياتهم.

يحمل شتا المثقفين أنفسهم  المسؤولية عن هذا الغياب إلى جانب دور السلطة، من ناحية لم يدافعوا عن حقوقهم ولم يناضلوا لإيجاد مساحات للظهور وأداء أدوار فعالة في حياة الناس، سواء في التعليم أو الاستحقاقات السياسية أو المناسبات الاجتماعية، ومن ناحية أخرى تعاونوا مع دوائر في السلطة وقبلوا أدواراً هابطة كرست، في النهاية، حالة التغييب لشرائح الأدباء والمثقفين التي نعاني منها اليوم.

حول تأثير ذلك يضيف: {عندما لا نرى أديباً تحت القبة في أهم مؤسسات التشريع في مصر، فمن الطبيعي أن تغيب قضايا الثقافة ويستمر انحدار الوعي والذوق وانتشار موسيقى العصابات وروايات الاستهلاك، وتفاقم ظواهر كارثية كانت الثقافة لتحجمها}، لافتاً إلى أن حضور المثقف ضروري ليس للتشريعات فحسب، التي نمتلك منها ترسانة، بل لتفعيلها وإنزالها إلى ميدان التطبيق.