سؤال أصبح ضرورياً ولازماً طرحه بعد توقيع اتفاق النووي، وبعدما استجدت ظروف جعلت "الأصدقاء" و"الأعداء" كلا يراجع حساباته في ضوء مصالحه وليس في ضوء تحالفاته القديمة، والمعروف أن الصداقات، وبخاصة بين الدول، غير دائمة، وكذلك العداوات، والسؤال هو: هل روسيا يا ترى ستبقى، رغم حدوث ما حدث، ورغم أن هناك متغيرات دولية وإقليمية على الطريق، تتمسك بالتزاماتها بإيران، وبالتالي بنظام بشار الأسد، أم أنها ستتبع مصالحها المستجدة، وهذا ينطبق أيضاً على مواقف إيران تجاه روسيا؟!

Ad

لقد بدأت إيران "تغزل ناعماً" بمجرد توقيع اتفاق النووي مع دول الغرب 5+1، فإضافة إلى تحرير نحو مئة مليار دولار من أموالها المجمدة في البنوك الغربية، هناك الاندفاع الغربي نحوها بحثاً عن الاستثمار الذي يقدر بمئات المليارات، في دولة لم تنعم بفترة التقاط أنفاس بعد توقف حرب الثمانية أعوام، فهي بدل الاهتمام بأوضاعها الداخلية وإعادة بناء ما دمرته تلك الحرب لجأت إلى استنزاف موازنتها، من خلال التدخل في الشؤون الداخلية لبعض دول المنطقة كالعراق وسورية ولبنان والبحرين واليمن.

لا شك في أن المتشددين من بين أصحاب القرار في طهران، ومن بينهم، بل على رأسهم، مرشد الثورة علي خامنئي، يرون أن اتفاقية النووي أطلقت يد إيران في هذه المنطقة، وأن عليهم، وهذا ما قاله الولي الفقيه بعد توقيع هذه الاتفاقية مباشرة، أن يواصلوا دعم "المستضعفين" في العراق وسورية واليمن ولبنان والبحرين، لكن وفي كل الأحوال فإن هؤلاء سيستجيبون، حتماً عندما "تذهب السَّكرة وتأتي الفكرة"، لنداء مئات المليارات من الدولارات الغربية الباحثة عن الاستثمار في دولة غدت مدمرة، وأصبح كل شيء فيها بحاجة إلى إعادة بناء وترميم بعد ستة وثلاثين عاماً من المغامرات والمؤامرات والتطلع خارج الحدود.

لا يمكن أن تبقى إيران، هذا إن توفرت فيها إمكانية لسماع أصوات العقلاء، تراهن لا على بشار الأسد ونظامه ولا على الحوثيين وعلي عبدالله صالح وتطلعاتهم، ولا أيضاً على فلاديمير بوتين الذي هو بدوره ستتحكم فيه مصالحه ومصالح روسيا المستجدة، وحقيقة إن هذه المصالح معظمها، إن ليس كلها، مع الولايات المتحدة ومع الغرب الأوروبي، فهؤلاء هم من يملكون حل المشكلة الأوكرانية المستعصية، وهم وحدهم القادرون على التخلي عن العقوبات التي فرضوها على بلاده.

إن المؤكد أن روسيا ستبقى بحاجة إلى إيران سواء لجهة بيع أسلحتها الروسية إلى بلد يبدو أنه سيبقى بحاجة إلى الأسلحة المتطورة، بعدما تم إحباط محاولاته للحصول على القنبلة النووية، أو لجهة الحصول على النفط الإيراني على أساس "المقايضة"، لكن وفي كل الأحوال فإن إعادة صياغة معادلات هذه المنطقة، وربما الأماكن الساخنة في العالم بأسره، ستفرض عليها ألا تبقى تضع كل بيضها في السلة الإيرانية.

لن يبقى الروس يكيلون بالمكيال الإيراني ما دامت إيران أصبحت مضطرة لإعادة النظر بكل تحالفاتها السابقة، فروسيا ستنحاز إلى مصالحها بالتأكيد، والإيرانيون سينحازون إلى مصالحهم بالتأكيد... ويبقى هنا أن من سيدفع الثمن غالياً هو بشار الأسد، الذي يواصل السباحة ضد التيار الجارف، والذي سيكتشف بالنتيجة أن كل ما في رأسه مجرد أوهام في أوهام، وأن ما يقرب بين الدول ويباعد بينها هو المصالح، ويقيناً إنه لم تعد هناك أي مصالح حقيقية لا لموسكو ولا لطهران في مواصلة الرهان على حصان خاسر، وقد ثبتت خسارته منذ أكثر من ثلاثة أعوام.