سهيل بدور فنان تشكيلي سوري، تعددت لديه مجالات الإبداع، وتنوعت ما بين الرسم والنحت وكتابة القصة والمسرح وممارسة العمل السينمائي، إلا أنه يضع التشكيل في المرتبة الأولى رغم اعترافه بأنه فن مظلوم أمام فنون الإبداع الأخرى.

Ad

كيف ترى أصداء {عزف الانتظار} معرضك الأخير في القاهرة؟

المعرض تكليل لجهودي، أفرح بأعمالي مثل الطفل الذي يحصل على هدية جديدة، وعندما أعلق أعمالي على الحائط أراها تبدو لي وكأني أشاهدها للمرة الأولى.  جميل أن يحتفي الفنان بجهده، ويرى نتاج فكره وبحثه وتجربته.

 حاولت الترسيخ لتيمة الانتظار التي طالما أثرت مخيلتي وكامن الإبداع لديَّ، أن الانتظار هو الأرق الدائم. كلنا ننتظر، حتى إن كنا لا نعرف ماذا ننتظر، لذا يثيرني هذا الموضوع الذي أعمل عليه من خلال الموسيقى أو المرأة.

لكن كيف تفصح من خلال اللون والكتلة والفراغ عن أنشودة حب الحياة والإنسان في لوحاته؟

لكل ما أقدمه علاقة بأنشودة وديمومة الحياة سواء كتلة أو لوحة، تلخيص مكثف جداً للحظة غناء حياتي، إلا أن مهمتي كفنان أبحث عن قاسم مشترك ما بين وعي وفهمي لما أريد أو لميكانيزما الحياة.

تميل إلى استخدام الألوان الساخنة بشكل كبير في معرضك الأخير، فما السبب؟

أنا ابن هذا الشرق، وكل هذه المساحة اللونية الرائعة ووضح النهار والحرارة والرطوبة والدفء. في الغرب يقُال لي تتضح بأعمالك كابن للشرق، وهنا يقولون إن معالجتي تخص الغرب، فلذلك أقع في حيرة شديدة.

أنا ابن هذا الشرق في كل ما بالكلمة من معنى.

 أعمل على إنسان هذا الشرق وإن كان الإنسان هو الإنسان إينما كان، لكن أحاول قدر الإمكان أن أعمل على إنسان الشرق.

 برأيك، هل اللون أم الفكرة الأهم للوحة؟

اللون هو الفكرة بامتياز، اللون هو الأهم.

إلى أى مدى تشبهك لوحاتك؟

تشبهني لوحاتي  إلى حد كبير.أعمل على حالات تأملية عالية تشبه روحي. أنا كائن متأمل وراقص، ولديَّ شغف بالحياة بمكان ما، بمعنى أن تلخيصاتي كافة باللوحة هي سهيل.

 ما هي أهم اللوحات رسمتها في حياتك؟

رسمت ما يزيد على 4000 عمل، من ضمنها جدارية عن مجزرة جنين بقياس 13 متراً في ثلاثة أمتار.

 كذلك أعتز بلوحة والدتي، ولوحة {العشاء الأخير}، والمقتناة في المركز العالمي للفن الآسيوي في أميركا، ولوحة {الجنة}.

 ثمة أعمال تركت في ذاكرتي أثراً من الصعب أن تستحوذ عليه لوحة أخرى.

 كيف تجمع بين كونك فناناً وباحثاً وقاصاً وشاعراً ومسرحياً؟

عملت في المسرح والتلفزيون، كذلك السينما، وأنا معروف بصفة الممثل الذي يعمل من دون مقابل. يجمعني بعض الصداقات مع أبناء الوسط الفني، ولكن مشروعي الأساسي في الفن التشكيلي، رغم أن الفرصة كانت وما زالت لديّ للبقاء كممثل. ومع أن الفن التشكيلي يظُلم أمام التمثيل جماهيريا ومادياً، آمنت بهذا المشروع.

 أكتب الشعر أو الدراما أو أعمل سينوغرافياً في أوقات الفرغ، ولكن لا شيء يمكن أن يعطلني عن مشروعي التشكيلي.

ماذا عن تجربتك في النحت، وهل لديك مشروع جديد به؟

كنت تحدثت مع الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش بشأن قصيدته {جدارية}، والتي تناول فيها موضوع الموت، فقد قرأت هذه القصيدة عدة مرات، وتأثرت بها، فرسمت عنها اسكتشات، ونقلت رغبتي إلى درويش في عمل نحت عنها، فرحب بالفكرة. اجتمعنا سوياً، واخترنا الإسكتشات، وكان المشروع قاب قوسين أو أدنى للبدء في التنفيذ. كان العمل مكلفاً، حيث يصل طوله 16 متراً، وارتفاع أربعة أمتار من مواد مختلفة ما بين حجر وبرونز خشب، ولكن توفى درويش، واعتذر الممول، وتوقف المشروع، إنما بشكل آني. كذلك لديَّ مشروع ما زال قائماً في هذا الشأن آمل أن أقدمه.

كيف تتعامل مع الكتلة، خصوصاً أنك توصف كنحات مشاكس؟

نعم أنا نحات مشاكش. يقُال إن الكتلة تقلق النحات، ولكن لديَّ رغبة في أن أقلق كل كتل الدنيا، لا يمكن أن تقلقني كتلة ما رغم كل البناء المعماري الذي يحتاج إلى دراسة معمارية غير عادية حتى تجد له نقط ارتكاز مهمة، أعمل على الفراغ الصحيح والأعمال الروليف لا تعني لي شيئاً على الإطلاق. أشتغل أعمالاً فراغية، ولا أفضل الخامات المستسلمة مثل الجبس والطين، ولكن أفضل العمل في الخامات القاسية والصلبة حتى أطورها. النحت بالنسبة إلي فن التعب السعيد، هذا الفن الذي ظُلم تاريخياً ودينياً سواء في المسيحية أو الإسلامية، وظُلم أيضاً كفن ترويجه والعمل فيه صعب، إذ عانى الأمرين أمام اللوحة التشكيلية.

ما زلت أعمل سنوياً قرابة أربعة أعمال سنوية لم أعد بالزخم الأول نفسه، لم يعد بالأماكن الإنجاز بشكل فردي بسبب ضغط الوقت والحياة، خصوصاً أني لا أعمل في قياسات صغيرة.

ما هي رؤيتك للمشهد التشكيلي العربي؟

رغم آلام الفن التشكيلي كافة، ولكني أتفاءل به، أتجول في كثير من دول العالم، فأجد اللوحة العربية مطلوبة بالخارج، وأرى التجارب العربية مثيرة  ومهمة، لكن علينا الإيمان بالبحث، وهذه إشكالية كبيرة، علينا البحث في الثقافة، إنتاج العمل الفني مرض ورائع، ولكن الثقافة مهمة أيضاً، لست متشائماً إلى حد كبير قياساً لما أرى من تطور في اللوحة العربية الآن.

ماذا عن المشهد السوري، وانعكاسه على أعمالك؟

أنا فنان لا أعمل في السياسة، ولكني موجوع على كل وطننا العربي. أصبح هذا الوجع مزمناً، ولست قادراً على ترجمته. لم أستطع هضم ما يحدث حتى الآن، ربما يحدث هذا في الفترة المقبلة، رغم أنني قدمت جداريتين الأولى أطلقت عليها {الحرب والخراب}، والآخرى {سوناتا وجع وطن}. ولكن أن أترجم ما يحدث، فهذا أمر غاية في الصعوبة، لأن عقلي لا يصدق أن تذبح الناس ويقتلون بهذه الطريقة البشعة، الأمر ليس سهلاً على الإطلاق.