عندما تعطس شنغهاي
بينما يتفاعل المستثمرون حول العالم بقلق مع تواصل انهيار أسواق الأسهم الصينية، يثير ما يحدث للأسهم في شنغهاي اهتمام مَن يعيشون في شيفيلد، ومن المرجح ألا تكون التأثيرات مؤاتية، على الأمد القصير على الأقل.بصريح العبارة يستثمر عدد من صناديق التقاعد البريطانية اليوم جزءاً من محفظته على الأقل في الأسواق الناشئة، وقد شهدت كلها أوقاتاً حرجة في الأشهر الأخيرة، فمن بين كل دول البريكس فقدت البرازيل منذ زمن جاذبها، ويتفادى المستثمرون روسيا بسبب الحرب والعقوبات، أما الصين فهي تواجه العواقب الحتمية لسوق أسهم فتية يسيطر عليها مستثمرون خاصون فرديون وأجانب مغامرون يستحوذ عليهم "السعي وراء المردود"، إذ نجحت الهند وحدها في الحفاظ على تماسكها، وظلت ثابتة بفضل حكومة مصلحة على ما يبدو، وفوائد دائمة للالتزام بحكم القانون، والديمقراطية، واللغة الإنكليزية.
من الإحصاءات التي قلما تناولتها التقارير خلال الاضطرابات الأخيرة واقع أن الأسواق الصينية لا تزال أكثر ارتفاعاً مما كانت عليه قبل سنة بنحو 60%، ويشير هذا على الأرجح إلى طفرة مضاربة انطلقت حين بدأ الاقتصاد الصيني الفعلي يتباطأ، ومع مقاربة استثمار لا تبدو أحياناً بعيدة جداً عن المقامرة تهافت المستثمرون الصينيون، الذين يفتقرون إلى الخبرة، ومن ثم انسحبوا بقوة إلى حد ما، ولا تُعتبر هذه ظاهرة غريبة في الاقتصادات الناشئة، فقد شهدناها مرات عدة، كما حدث خلال أزمة شرق آسيا عام 1998 وبالتأكيد بعد انهيارات عام 2007.بغض النظر عن الأسباب فإن من المؤكد أن التباطؤ في الصين وتلك الاقتصادات الناشئة الكبيرة الأخرى سيؤثر فينا جميعاً، فتبقى الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم ومستورداً كبيراً للمواد الخام وسلع المستهلكين الفاخرة، بالإضافة إلى ذلك تشكل هذه الدولة أحد أهم مصدري منتجات السوق الكبيرة الاستهلاكية، وإذا أصيبت الصين بالزكام فسيتفشى هذا المرض في العالم بأسره. تشمل تأثيرات هذه الأزمة المباشرة، على ما يبدو، تصميم بكين على الحد من الضرر بخفض قيمة العملة، محفزة بالتالي التصدير، لكن هذا يرفع مرة أخرى خطر تفاقم عدم التوازن العالمي الذي أحدث الكثير من الضرر في الاقتصاد العالمي، فقد سعت الصين إلى زيادة الصادرات في مطلع هذا القرن، مما مكنها من بناء احتياطي كبير من العملات الأجنبية واستثمارها في عدد كبير من الأوراق المالية الخاضعة لسيطرة الدولار، فساهم هذا في المقابل في تأجيج أزمة الدين التي اجتاحت الغرب عام 2008، والتي ما زلنا نشعر بتردداتها حتى اليوم. وفي الفترة الأخيرة انتقل تشديد السياسة الصينية من توسيع أسواقها الاستهلاكية إلى التحول من الصادرات والاستثمار إلى الاستهلاك والاستيراد، فكانت هذه المهمة قيد التنفيذ، إلا أن الصين سارعت إلى التخلي عنها بسرعة، على ما يبدو.على نحو مماثل خصصت الحكومة الصينية أيضاً الكثير من الوقت والمال لمحاولة معاكسة السوق، علماً أن هذا جهد حاولت الحكومات الأجنبية ككل تفاديه؛ صحيح أن المسؤولين الأميركيين، خلال عهد آلن غرينسبان الطويل في الاحتياطي الفدرالي الأميركي، كانوا يتفاعلون عادةً مع عملية التصحيح في وول ستريت، مخفضين بجرأة معدل الفائدة، لكن السلطات الأميركية لم تسعَ مطلقاً إلى ضخ الأموال مباشرة في عمليات شراء الأسهم، إلا عندما واجهت المصارف وشركات السيارات الكبيرة الإفلاس، وحتى في تلك الفترة شكلوا مستثمرين مترددين بوضوح.إذاً تمثل التقلبات في أسواق الأسهم العالمية باختصار الثمن الذي علينا أن ندفعه لمواصلة الصين السير على درب الرأسمالية، وعند التأمل في ما حدث من قبل وفي خروج ملايين الصينيين من الفقر مع تحرر الاقتصاد، ندرك أن هذه الاضطرابات تشكل أمراً علينا أن نعتاده بكل بساطة.