يشكل الفنان عبدالحسين عبدالرضا علامة بارزة في تاريخ الحقبة الكوميدية الكويتية الذهبية، التي انتعشت في ستينيات القرن الماضي، فقدمت للعالم العربي خلال خمسة عقود أنماطاً تمثيلية لم تتكرر، بل واستطاعت العيش في وجدان الناس إلى الآن بأسماء الشخصيات التي قدمتها في ذلك الوقت، من بينها: {بوعليوي، بومريان، حسين بن عاقول، حمود الطوّاش، عتيج المسيان، جلّاب، بوهيلان، مفتاح الحلي، شارد بن جمعة، منصور بوحظين».

Ad

 

رفيق الدرب

 

في الحلقة الماضية، تطرقنا إلى أول نص مسرحي كتبه الفنان الكبير عبدالحسين عبدالرضا وهو {اغنم زمانك، ثم النجاح المتواصل لأعمال فرقة المسرح العربي.

واليوم يتطرق عبدالرضا في الحديث عن أحد رفاق الدرب الفنان الكبير الراحل خالد النفيسي: {زميل ورفيق درب، فنان كبير غير عادي، ونموذج للفنان الحقيقي، بكل ما تعنيه الكلمة. جمعني معه الكثير من الأعمال منذ بدايات البث التلفزيوني، كذلك الأعمال المسرحية عقب مرحلة الأستاذ زكي طليمات، ومنذ بدأنا بتقديم أعمالنا باللهجة المحلية. كان أحد النجوم البارزين في تلك المرحلة، وكنَّا نعتمد عليه في بطولة المسرحيات، باعتباره أحد نجوم الشباك التي تجذب الجماهير إلى جانب الفنانين سعد الفرج وغانم الصالح}.

وزاد بوعدنان: «من خلال معاشرتي له في فرقة المسرح العربي، كان واضحاً منذ البداية بإعلانه رفض المناصب الإدارية، والمتابعات الإنتاجية بالفرقة منذ تأسيس مجلس الإدارة الأول، مفضلاً أن يهتم في إبداعه بتجسيد الشخصيات في الأعمال المسرحية التي يقدمها ويعمل على تطويرها، رغم كونه من رجال الأعمال الناجحين في التجارة ومتابعتها، خصوصاً العقارات».

وتابع: {بعد المرحلة الأولى مع طليمات، اجتمعت مع النفيسي في مسرحية {اغنم زمانك} وهي من تأليفي، ثم «24 ساعة»، و{الكويت سنة 2000»، و{حط حليهم بينهم»، كذلك الكثير من المسلسلات أهمها بالطبع {درب الزلق} وحلقات برنامج {دنيا الأسرة} التي تقدم كل أسبوع تمثيلية عبارة عن معالجة درامية لمشكلات اجتماعية واقتراح لحلها}. 

خفة الدم

 

استطرد عبدالرضا في حديثه عن النفيسي: «يعتقد كثيرون بأنه عصبي، ولكنه في حقيقة الأمر خفيف الدم، وكثير المزاح في كواليس المسرح، أو وقت التصوير، كما يمتاز بكثرة مقالبه بين العاملين في معه في أي عمل فني يشارك فيه، من دون مراعاة للتوقيت، أو ظروف العمل، وجل اهتمامه ملاحظة ردود الفعل على الآخرين بعد المقلب. كثيراً ما كنت أتشاجر معه بسبب هذه المقالب والمشاكسات، خصوصاً أنها تأتي في وقت غير مناسب، ووسط معمعة الشغل. ولكن ذلك كله ما كان يردع النفيسي الذي تصعب السيطرة عليه وكثيراً ما يقوم بمقالب يحرج فيها زملاءه على خشبة المسرح وأمام الجمهور». 

 

مقالب النفيسي

 

ومضى في حديثه: {أحد المواقف المحرجة والطريفة في آن التي مررت بها بسبب النفيسي كان على المسرح، إذ كان عليه الدخول إلى الخشبة، وعندما يراني يختبئ خلف الكنبة، وعندما انتهي من حواري يظهر. حدث أنني اندمجت وأطلت في حواري الذي تفاعل معه الجمهور، وعندما انتهيت انتظرت النفيسي لكنه لم يظهر لدرجة أنني اعتقدت أنه حتى الآن لم يدخل إلى المسرح، وأخذت أرفع صوتي كي يسمعني ويدخل ولكن دون أي فائدة إلى أن سمعت فجأة صوت شخير صادر من خلف الكنبة، فذهبت وراء الصوت لأجد النفيسي نائماً، الأمر الذي أثار حنقي وجعلني أصرخ فيه بشدة كي يصحو من نومه، لنكمل المشهد. كانت مقالبه لا تنتهي ولكنها ممتعة رغم ما تسببه من إحراج وزعل، خصوصاً عندما يكون ذلك أثناء العرض المسرحي، ويورط الممثل الذي أمامه}.

 

حكاية الرهان

 

ولفت عبدالرضا إلى أن ثمة حكاية من بين العشرات التي حدثت معه وهي الرهان: «التي تعتمد على قدرة أي منا يستطيع إضحاك الآخر على خشبة المسرح أمام الجمهور، وقد كان الرهان أن يتكفل المغلوب بدفع قيمة العشاء لفريق العمل كله. وفي أحد عروض مسرحية {من سبق لبق} كنت أؤدي دور عازف موسيقي على آلة العود، وأعزف بعيداً عن النفيسي الذي يشاركني المشهد. فجأة، وبطريقة كوميدية، قفزت وجلست في حضنه، فلم يستطع أن يتمالك نفسه من الضحك، وبهذا استطعت أن أكسب الرهان. ولما كان معروفاً عن النفيسي أنه لا يترك ثأره، ففي اليوم التالي وفي أحد المشاهد التي يفترض أن يؤدي فيه دور رجل مسن، دخل إلى خشبة المسرح بصورة مفاجئة وهو يرتدي زي بنت صغيرة، ومن غرابة شكله لم أتمكن من إمساك نفسي عن الضحك لأدفع بعدها قيمة العشاء».

 

الفنان الأصيل

 

وأضاف عبدالرضا أن النفيسي فنان كبير له مكانته، لكنه مرَّ بفترة مرض وعلاج، ابتعد خلالها لسنوات عن الكويت والفن، بيد أن الفنان الأصيل يبقى فناناً مهما طال غيابه، فبمجرد عودته يستعيد قاعدته الجماهيرية ويأخذ موقعه الصحيح. وبعدما جمعنا مسلسل «درب الزلق» ابتعد عن الساحة فترة من الزمن، ثم عاد ليعمل مع الفنان سعد الفرج والكاتب والمخرج عبدالأمير التركي في عدد من المسرحيات. لاحقاً، انقطع ليعود بأعمال متفرقة. ثم عملنا في مسلسل {ديوان السبيل} الذي صورناه في سورية، والمسلسل الكوميدي {الحيالة}، إذ كان النفيسي أفضل من يجسد شخصية الأخ الأكبر {مانع} المتمسك بمفردات الحياة القديمة وعاداتها، والرافض لمظاهر التطوير، تساعده في ذلك خفة دمه وطريقته المتميزة في تناول الحوارات ومفرداتها الشعبية، وهو الخبير في هذا الإطار ويزيد جرعة الضحك بأسلوبه الخاص في الأداء أمام الكاميرا».

المنارة الثقافية

في المنارة الثقافية الكويتية حول الفنان الراحل خالد النفيسي التي عقدها مهرجان القرين الثقافي الخامس عشر عام 2009 في مسرح حمد الرجيب بالمعهد العالي للفنون المسرحية، قال الفنان القدير عبدالحسين عبدالرضا إنه لم يخسر بوفاة النفيسي زميلاً بل أخاً وصديقاً ورفيق درب... لا سيما أنهما درسا معاً في مدرسة الأحمدية ثم عملا معاً في فرقة المسرح العربي. و{كان - رحمه الله - إنساناً مرهف الحس لا يعرف الحقد أو الحسد... ولا أعرف كيف أعبر عن خسارتي برحيله وكم أفتقده».

وأضاف عبدالرضا أن «النفيسي ترك برحيله فراغاً لا يمكن أن يشغله أحد، فهو كان يتميز بشخصية شفافة. كذلك كان هاوياً للفن حتى النخاع وأفنى عمره في سبيل الفن العربي عموماً والكويتي خصوصاً. فمن منا لا يتذكر دور «بوصالح» في «درب الزلق». وحتى رحيله كان عاشقاً للمفاجآت ويتفنن فيها ولكن مفاجأته الأخيرة أدمت قلوبنا جميعاً}.