يوضح الشاعر سمير نخلة أنه في السنوات الخمس الأخيرة قُدّمت أعمال غير مقبولة فنياً، فتراجعت صورة لبنان الجميلة، بسبب بعض المبتدئين الذين أضاؤوا على الأمور الرخيصة في المجتمع بدل تناول جمالية بلادهم، خصوصاً أنهم مسيّرون من خلال منتجين يبحثون عن الأوفر مادياً ومعنوياً، ومعتبرا أنه من الصعب على الكلمة الجميلة التميّز، طالما أن الأغاني النوعيّة ضئيلة جداً مقارنة مع الكم الهائل من الأغاني الهابطة.

Ad

يضيف: «لا تغربل الإذاعات الأغاني وفق النوعية بل تسوّق لمن يدعم أغنيته أكثر، كأنها ترويج لإعلانات بضائع. لكن هذه الأغاني الهابطة تموت في مهدها كونها تصبح طيّ النسيان ما إن يتوقف دعمها  مادياً في الإعلام».

يشدد في حديث إلى «الجريدة» على أن  بعض الملحنين والشعراء يقدمون نوعية جيدة جداً من الأعمال فيما يعمل آخرون وفق مبدأ تجاريّ، «لذا يكتبون مواضيع سخيفة مثل جراحات التجميل والـ{بوتوكس» والـ «واتساب» وهي أغاني مونولوج سخيفة وبعيدة عن تلك التي انتقلت من جيل إلى جيل على غرار «أسمر يا شاب المهيوب» لسميرة توفيق وهي من كلماتي، و{أهلك ما بدّن ياني» ولجوزف نمنم وهي من كلماتي ايضاً، وجددها الفنان ربيع الجميّل بنجاح».

ضياع وعشوائية

يشير الملحن رواد رعد إلى أن الأغنية اللبنانية تضعضعت بعد إدخالنا فولكلور بلدان أخرى عليها، مشدداً على أن الدبكة السائدة راهناً ليست فولكلوراً  بل تجارة عشوائية ومبتذلة وبضاعة رخيصة  تُباع بأسعار غالية وتصل الى الناس بطريقة خاطئة.

يضيف: {عندما قدمت أغاني الدبكة إلى معين شريف وأيمن زبيب وهشام الحاج التزمت بالفلكلور اللبناني وتراثنا وهويتنا».

يوضح أن ثمة فنانين حققوا شهرتهم بفضل الأغنية اللبنانية، «وما إن وصلوا إلى القمة دخلت المصالح الأخرى، فتوجهوا إلى الأغاني العراقية والساحل السوري وتم ادخال الدبكة السورية التي لا تشبهنا».

يتابع: «غنّت فيروز لهجات مختلفة،  لكنها حافظت على التراث اللبناني، فلماذا لا نتمثل بالرحابنة وزكي ناصيف وفيلمون وهبي؟ لماذا نتوجه إلى مكان آخر طالما هؤلاء قدموا الأصالة وابهروا العالم؟ الرحابنة أقاموا دولة فنية في لبنان وصدّروها إلى الخارج، فلماذا لا نتمسك بأصالتهم وموسيقاهم التي تعيش 500 عام إلى الأمام، غنوا الفرح والحب والوطن والسلام والحرب بطريقة رائعة تتخطى الزمان والمكان».

عما إذا كان  ثمة دور للملحن في الحفاظ على التراث  يتابع: «إذا كنت أعيش من التلحين فلا يعني ذلك أن أخرب الأصالة لمصالحي الشخصية. فتقديم أغنية عصرية خفيفة مقبول ولكن يجب، في المقابل، تقديم عمل يستمرّ سنوات».

يوضح في هذا السياق: «لدي اغانٍ قدمتها منذ 2004 ولا تزال ناجحة مثل «نيالك يا هوا» و»يا ريتني أنا ولا إنت» لعاصي الحلاني، «وينك عني يا حبي» لجو أشقر، «مش عاجبك لون السما»، «شو بيشبهك تشرين» لمعين شريف، «عديت نجوم السما» وغيرها. اتمسك بما تربيت عليه فنياً. لقد شوهوا السمع والبيئة ولا يزال وائل كفوري، نجوى كرم، عاصي الحلاني، رامي عياش، نانسي عجرم، راغب علامة وملحم زين يحافظون على المستوى».

ثقافة ونمط

الشاعر نزار فرنسيس في مواجهة مستمرة لكل ما يسيء إلى الأغنية اللبنانية في مكوناتها كافة، إن على صعيد الكلمة أو اللحن أو التنفيذ أو الأداء، «لأن «المحن» لا يليق بها»، على حد تعبيره، مشدداً على أنه أنهى مرحلة تقديم الأغنية الترفيهية وانتقل إلى مرحلة الفن الرسالة، «مطلوب معالجة مشاكل اجتماعية نعاني منها، انطلاقاً من كون الأغنية تساهم في الشفاء من الداء».

يضيف: «ليست الأغنية اللبنانية لطرح مواضيع الحبّ والغرام فحسب، إذ يمكن أن نغني للوطن ونعبر عن حبنا له من دون أن يكون ثمة حرب ودمار».

يتابع: «الأغاني الهابطة والسخيفة ليست جديدة، بل كانت موجودة في زمن عبد الوهاب وأم كلثوم وفيروز ووديع الصافي، قدّم بعض الفنانين مستوى متدنياً من الأغنيات لكنها افتقرت الى من يروج لها ويجعل منها سوقاً مفتوحاً للجميع».

يرى أن «المشكلة ليست في نوع الجمهور بل في وسائل الإعلام بأشكالها المختلفة التي تبث هذه الاغاني، وأن وسيلة النقل هي التي اختلفت اليوم وليس متطلبات السوق الفني»، مؤكداً أن الوسائل الإعلامية تركز على الربح وليس على جودة العمل الفني، «لذلك نرى الأعمال الجيدة وتلك التي دون المستوى تخضع لعملية حسابية واحدة ، نتيجتها كسب الأموال».

يؤكد، في حديث له، أن {الإعلام تحوّل الى ضيف ثقيل يفرض عليك نوعية الأغاني، رغم أنها تكون {ثقيلة} على آذاننا إلا أننا نجد أنفسنا لا إرادياً مأخوذين بسحرها الايقاعي. رسالتنا كشعراء وفنانين تثقيف الناس بطريقة فنية، إلا ان الأهداف اليوم اتجهت نحو مسار مغاير  فبات الهم الوحيد {جني المال}، وأكبر دليل على ذلك السياسة التي تعتمدها وسائل الإعلام التي تجني أموالا من خلال أعمال رخيصة وهابطة».

حول شعره المغنَّى يقول: «إنه جزء منّي أعشقه وهو وليد إحساس أعيشه، لأن الشاعر ابن بيئته، لذلك أكتب عن تجارب يعيشها الناس وأمور خبرتها أو أحلم بأنني أعيشها، فأسقط الخيال وأرسمه».

أحمد ماضي: لن أكرر أغنية «رجب»

{الفن ليس تجارة يجب الاغتناء منه مادياً فحسب بل يجب إغناء المكتبة الموسيقية من خلاله}، يقول الشاعر أحمد ماضي  مشدداً على أننا نعاني صعوبة معيشية لأننا لا نسوّق ولا ننظر الى الفنّ كتجارة نسعى للاغتناء منها فكرياً، لافتاً إلى أنه حين  انطلق قدم لوناً استعراضياً في اغنية {رجب} لهيفاء وهبي إلا أنه لا يكرر مثل هذه التجربة.

يضيف: {عندها لم أكن حريصاً على مستوى الأغنية، فسرت بالموجة السائدة، خصوصاً أنني لم أكن قد خبرت الوجع الحياتي بعد، لافكّر بوعيٍ أكبر تجاه تقديم لون غنائي معيّن. إنما راهناً لم أعد اقبل كتابة أغانٍ مماثلة مهما كان المردود المادي كبيراً، لأننا نحرص على تقديم أعمال تواجه الموجات السائدة مهما كان المسؤول عنها، لذا أتمنى أن يقدّر الزملاء الشعراء والملحنون ما نسعى اليه، ويتعاونوا معنا}.

يشدد على أن الأنماط الغنائية المطلوبة تختلف من بلد الى آخر،  ذلك أن لكل بلد ثقافته الخاصة ونمطاً مفضّلاً لدى جمهوره،  ثمة لبنانيون يفضّلون الأغنية البلدية، تماماً كما يفضل الخليجيون لهجتهم الأم وكذلك في مصر، إنما من جهة أخرى ثمة أغانٍ تندرج ضمن  السهل الممتنع تنتشر في العالم العربي مثل: {يا غالي عليّ} و{يا مرايتي}، وهي لغة لبنانية بسيطة غير معقّدة}. عما إذا كان يحرص على كتابة هذا النمط من الأغنيات السهلة يتابع: {إنه أسلوبي الكتابي وليس حرصاً بحد ذاته، كتبت سابقاً باللهجة المصرية قبل أن اتجه إلى اللهجة اللبنانية التي اكتبها بأسلوب سهل وبسيط}. يؤيد محافظة الشاعر على نمط لغوي معيّن بدلا من التنويع، وفي المقابل يعتبر أن الشاعر يكتب وفق البيئة التي عاش فيها، لذا ثمة من يكتب باللهجة البلدية القروية ومن يكتب باللهجة البيضاء الشبيهة بالمدينة، وهكذا يتمايز الشعراء عن بعضهم البعض.

أين المبدعون؟

«تاريخ لبنان الفني غني بالمبدعين، على غرار الأخوين رحباني وجبران خليل جبران وميخائيل نعيمة... يؤكد الملحن سمير صفير متسائلا: {أين هم القيمون على الفن، أين هم هؤلاء المبدعين الذين أدهشوا العالم؟ صحيح أن الدنيا تتغير ولكن نحو الأسوأ وتسير نحو الحضيض والابتذال}...

يضيف: {في لبنان نتغنى بالديمقراطية، لكنها تحولت إلى عبء ثقيل على صاحبها لأنها فُهمت بشكل خاطئ، فهل الديمقراطية أن نأتي بأشباه رجال وأشباه نساء وننشر صورهم على أغلفة المجلات تحت شعار الحرية؟ أعتبر هذا الأمر جرماً يمرَّر تحت ستار الديمقراطية. تتوقف حريّتك عندما تسيء إلى الغير، وما يحصل راهناً في الوسط الفني يسيء إلى أولادنا وأجيالنا المقبلة».

يحمّل صفير وسائل الإعلام مسؤولية تدهور الذوق الفني والثقافي، إضافة إلى المنتجين، ويقول: {هؤلاء مسؤولون عن الجريمة التي تُقترف بحق الفن اللبناني. من الطبيعي أن يعتاد المتلقي على هذا الابتذال لأنه يحاصره عبر الوسائل الإعلامية كافة، وكلنا  نعلم دور الإعلام في رفع ذوق الناس الفني أو تدميره}.