أسدلت محكمة الجنايات في المحكمة الكلية (أول درجة) برئاسة وكيل المحكمة المستشار محمد الدعيج أمس الستار على قضية تفجير مسجد الإمام الصادق المتهم على ذمتها 29 شخصا، وأدت إلى مقتل 26 مواطنا ومقيما وإصابة أكثر من 200 آخرين، لتصدر حكمها بإعدام سبعة متهمين وحبس ثمانية متهمين لمدد تراوحت بين سنتين و15 سنة وببراءة 14 متهما.

Ad

وقالت المحكمة في حيثيات حكمها إنها تلتفت في عاقبة قضائها إلى مبلغ خطورة هذا الفكر التكفيري المتطرف الذي ينتهج أدبيات التوحش وتدابير الإرهاب، ويتخذ من الشباب الغر وظروف الفرد أرضاً خصبة يزرع فيها بذوره النتنة فيحرف لهم الكَلِم عن مواضعه، ويُلبس الحق بالباطل ويَكتُم الحق؛ ليبث فكره المتشدد السقيم كي يحصد على أرض بلادنا الآمنة وغيرها من البلدان الشقيقة؛ ما يبغيه عوجا من إشعال الفتنة وإثارة النعرات وشق وحدة المجتمع وقد خاب من افترى.

وذكرت أن الكويت رغم مصابها الجلل في تلك الحادثة فإنها الصادق ستظل بإذن الله آمنة عصية لن تخضع يوما للتهديد والابتزاز، وسيبقى شعبها على روحه الكويتية المعهودة متكاتفاً ومتلاحماً تسوده مشاعر الإخاء والمودة في ظل وحدة وطنية.

قالت المحكمة في نص حيثيات الحكم: «إن إرادة المتهمين الستة الأوائل والمتهم التاسع سارت معا لتفجير أحد المجالس الحسينية للطائفة الشيعية داخل البلاد، بعد أن جمع بينهم العداء لهذه الطائفة، وقربت بينهم الرغبة في إشعال الفتنة الطائفية في البلاد انتقاماً منها لعدم إطلاق سراح المتهم التاسع من محبسه، وبعد أن اختمرت الفكرة في ذهن المتهم الأول وألم بأبعادها هب في ظهيرة يوم 24 يونيو 2015 بالأعمال التحضيرية بأن توجه مستقلا مركبة أخيه المتهم الثامن إلى مدينة الكويت بعد أن أوعز إليه المتهم الثاني رصد حسينية معرفي الواقعة قرب مسجد الدولة باعتبارها من أحد المجالس الحسينية الشهيرة في البلاد، وعند وصوله إلى تلك الحسينية وجدها مغلقة وأبصر بقربها حسينية الموسوي وكانت الأخيرة أيضاً مغلقة فأخطر المتهم الثاني بما رآه، فأشار عليه أن ينصرف وأن يرقب الحسينيتين بعد الإفطار.

 وفي مساء ذات اليوم عاد المتهم الأول إلى المكان السابق مستقلا مركبة المتهم السابع، ووجد حسينية معرفي كما رآها أول مرة وكانت أبواب حسينية الموسوي مفتوحة، وتلاحظ له أن بداخلها عددا لم يكن يتجاوز المئة شخص، وعندما أخطر المتهم الأول الثاني بما رآه أكد له الأخير أنه يكفي لنجاح العملية أن يكون بداخل هذه الحسينية عشرون شخصاً، بيد انه لما كان المتهم الأول يصبو إلى إيقاع أكثر عدد من القتلى والدمار تفتق ذهنه إلى رصد مساجد الشيعة بوصفها أغص بالناس، وباعتبار أن المجالس الحسينية تكون مكتظة فقط خلال شهر محرم من كل عام وعدا ذلك يكون الحضور فيها قليل، فأيَّده المتهم الثاني وأمده فوراً برابط عبر شبكة الإنترنت مخصص لمواقع الحسينيات ومساجد الشيعة في البلاد، واختار المتهم الأول من بينها مسجد الإمام الصادق، فوافقه المتهم الثاني، وأبلغه الأخير أن الهدف سيكون تفجير ذلك المسجد بحزام ناسف بواسطة الانتحاري فهد سليمان القباع على أن يكون يوم الجمعة الموافق 26 يونيو 2015 موعداً لتنفيذ هذه العملية.

 وفي الساعة الخامسة من مساء اليوم التالي دخل إلى البلاد الأخوان المتهمان الثالث والرابع قادمين من المملكة العربية السعودية عبر منفذ النويصيب بعد أن عُهِد إليهما بجلب الحزام الناسف لتنفيذ العملية، والذي أخفاه المتهم الثالث أسفل سجادة المقعد الأمامي الأيمن في مركبة كان يستقلها هو وأبناؤه (نوع هوندا) تحمل لوحات سعودية مرورية رقم ب ك ت/ 16683، أما أخاه المتهم الرابع فقد كان يستقل مركبة أخرى نوع أودي حمراء اللون، وبعد دخولهما البلاد رافق المتهم الرابع أخاه المتهم الثالث وتوجها معا إلى شارع مكة بمنطقة الفحيحيل وابتاعا من هناك صندوقا لحفظ الطعام «آيس بوكس» ذا لونين أبيض وأزرق، ووضعا بداخله الحزام الناسف ثم عادا إلى منطقة النويصيب «جنوب البلاد» وتركا الصندوق داخل منطقة برية تبعد 500 متر خلف استراحة رحال، ثم انصرفا بعد أن وصفا للمتهم الثاني مكان الصندوق.

صندوق الطعام

وفي حوالي الساعة السابعة من مساء ذات اليوم راسل المتهم الثاني المتهم الأول وطلب منه التوجه إلى منطقة النويصيب بعد أن أرشده عن مكان وشكل صندوق الطعام المحفوظ بداخله الحزام الناسف، وعند وصول المتهم الأول إلى الموقع المحدد ضل الطريق بسبب عتمة الليل ولم يتسن له الاستدلال على الصندوق فأخبر المتهم الثاني، وراسل الأخير المتهمين الثالث والرابع وطلب منهما ملاقاة المتهم الأول وإرشاده إلى مكان الصندوق، فاقترب المتهم الثالث بمركبته ناحية المتهم الأول وأبصره الأخير وتبعه بعدما طلب المتهم الثاني ذلك، وأشار المتهم الثالث للمتهم الأول بواسطة إضاءة مركبته على الصندوق القابع على الأرض ثم انصرف المتهمان الثالث والرابع بعدما أنجزا مهمتهما وعادا من حيث قدما إلى بلدهما.

الكرسي الخلفي

وترجل المتهم الأول من مركبته، وحمل الصندوق، ووضعه على الكرسي الخلفي للمركبة قيادته وانطلق إلى منزله بمنطقة الصليبية، وأنزل الصندوق من المركبة ووضعه بداخل مركبته المعطلة القابعة بالكراج، فشاهده آنذاك أخوه المتهم الثامن، بيد أن الأخير لم يكن يعرف محتوى ذلك الصندوق ثم انتظر داخل منزله ريثما يطلب منه المتهم الثاني التوجه لإحضار المتهم فهد سليمان القباع، وعند حوالي الساعة الثالثة من فجر يوم الجمعة الموافق 26 يونيو 2015 توجه المتهم الأول بمركبة المتهم السابع إلى منطقة الفروانية حيث وجد المتهم فهد سليمان القباع بانتظاره خارج فندق كراون بلازا بعد قدومه إلى البلاد بذات اليوم عبر مطار الكويت الدولي قادماً من الرياض.

هذا وقد استدل عليه المتهم الأول من خلال أوصافه ومكان تواجده التي زوده بها المتهم الثاني فدعاه للركوب معه، وبعد حديث التعارف طلب المتهم فهد القباع من المتهم الأول التوجه به إلى مسجد الإمام الصادق حتى يرى مكان تنفيذ العملية المنشودة، فيمم الأخير بمركبته شطر ذلك المسجد وحام حوله، وبعد معاينتهما مكان التنفيذ توجها إلى أحد المطاعم بجمعية صباح الناصر لتناول وجبة السحور ثم اصطحب المتهم الأول المتهم فهد القباع إلى منزله واستضافه في الديوانية، وحال وصولهما أخرج المتهم الأول صندوق الحزام الناسف من مركبته وقدمه للمتهم فهد القباع، ولرغبة الأخيرين تجربة طريقة ارتداء الحزام الناسف، وكيفية استعماله إذ لم تكن لديهما دراية حول ذلك؛ أرسل المتهم الثاني إلى المتهم فهد القباع ثلاثة مقاطع فيديو شارحة لطريقة ارتدائه وإطلاق المواد المتفجرة التي يحتويها الحزام، وعندما شاهد المتهم الأول أحد تلك المقاطع قام بمساعدة المتهم فهد القباع بحمل الحزام وارتدائه، ثم التقط المتهم الأول لفهد القباع صورة أثناء ارتدائه الحزام الناسف وأرسلها للمتهم الثاني بناء على طلب الأخير، وبعد أن اطمأن المتهمان الأول والثاني إلى احاطة المتهم فهد القباع بطريقة استعمال الحزام الناسف تركاه حتى ينام للاستعداد للمهمة.

سورة الكهف

وعند حوالي الساعة الحادية عشرة ظهراً غادر المتهمان الأول وفهد القباع المنزل واستقلا مركبة المتهم السابع، وصوَّبا شطرهما ناحية منطقة الصوابر بمدينة الكويت حيث موقع مسجد الإمام الصادق لتنفيذ العملية، وكان المتهم القباع وقتئذ تعاطى مادة الأمفيتامين المؤثرة عقلياً ويجلس إلى جوار المتهم الأول، كما كان يقرأ سورة الكهف من مصحف كان بيده، وطلب من المتهم الأول التقاط صورة له بواسطة الهاتف حين قراءته للقرآن كما أرسل حينذاك المتهم القباع وصيته عبر رسالة صوتية إلى المتهم الثاني، وحال وصولهما المسجد عند حوالي الساعة 11:20 تبين لهما أن صلاة الجمعة لم تكن بعد قد بدأت، مما لا يتفق هذا مع الخطة المرسومة من أن يكون التفجير أثناء انشغال الناس بالصلاة لمباغتتهم ولضمان وقوع أكبر عدد من القتلى، فتوجه المتهم الأول ناحية شارع الخليج العربي ريثما يحين موعد الصلاة، وعند حوالي الساعة 12:20 ظهراً عكف المتهم الأول وعاد إلى مسجد الإمام الصادق، وحال وصولهما هناك أخذ المتهم الأول بالدوران بمركبته حول المسجد وتلاحظ لهما وجود دورية شرطة أمام باب المسجد فظهرت علامات الارتباك الشديد على المتهم فهد القباع، في ما فكَّر المتهم الأول في التراجع عن المهمة، وطلب من المتهم الثاني الاستئذان بإلغاء العملية لكن الأخير أمر المتهم الأول بإنزال منفذ العملية فوراً، فترجَّل المتهم فهد القباع بعد أن ركَّب بنفسه بطاريتي تشغيل الصاعق، ثم انفك المتهم الأول هرباً بمركبته مبتعداً عن مكان المسجد، فولج المتهم فهد القباع المسجد من أحد أبوابه الرئيسية وهو يرتدي الزي الوطني الكامل ويزْنِر بحزامه القاتل ويضع كلتا يديه منتصف صدره قابضاً على مفتاحي تشغيل صاعق المفرقعات، وقد تهيأت له الفرصة إذ وجد الناس في صلاتهم فقد كانوا بآخر ركعات العصر فتربَّص بهم وحاذا آخر صفوفهم وهم سُجَّدٌ صائمون أقرب ما يكونون من الله، فجهر بهيئته قائماً بالقول (إن الله مع الصابرين) حتى يستجمع قواه الزائفة وأتبع بتكبيرة ثم فجَّر نفسه، فعصفت المكان قوة الانفجار، وانطلقت شظايا المفرقعات مخترقة أجساد الناس، فقُتل منهم عدد 26 شخصاً تناثرت أشلاؤهم، وتسربلت الدماء ممن شرع بقتلهم، وتضرَّر آخرون بلغ عددهم 125 شخصاً لم يلق أياً منهم حتفه لمداركته بالعلاج، فكان ما روَّع الآمنين وبثَّ فيهم الفزع والذعر. إذ أحدث التفجير دوياً هائلاً ونيراناً اندلعت داخل المسجد بعد أن قوَّضت سقفه ورجَّت جدرانه، وبُثَّ منه دخان وشظايا كثيفة خيَّمت على من بداخل المسجد وخارجه، فأفشت فيهم حالة من الرعب والهلع أدت إلى تدافعهم نحو الأبواب المحطمة وهم يهرعون بين الجرحى بدمائهم وأنينهم وبين الأشلاء الآدمية المتناثرة.

بطاقة الأحوال

وكان المتهم الأول لحظة وقوع الانفجار قد وصل بمركبته ناحية دوار الشيراتون– الذي يبتعد عن مكان الحادث قرابة عشر دقائق- وقد علم بحدوث التفجير بعد أن أبصر مركبات الإسعاف والإطفاء والشرطة أمامه مطلقين «سريناتهم» هرعين لمكان الحادث، فراسل عندئذ المتهم الثاني وأبلغه بنجاح العلمية ثم أطلق عدة تكبيرات بطلب من الأخير، وعند وصول المتهم الأول منزله قام بناء على طلب المتهم الثاني بإتلاف كل المتعلقات الشخصية للمتهم فهد القباع وهي رخصة القيادة وبطاقة الأحوال الشخصية والبطاقة الائتمانية، وألقى بحافظة النقود في الساحة الترابية المقابلة لمنزله بعد أن أخذ منها مبلغ 3600 ريال سعودي وأخفى جهازي نقال نوع نوكيا وجهاز نقال نوع سامسونغ عائدين للمتهم فهد القباع بالإضافة لصندوق الطعام كان يحتوي على الحزام الناسف بداخل مركبته القابعة في الكراج، وفي مساء ذات اليوم وعندما علم المتهم الأول أن رجال شرطة ألقوا القبض على أخيه المتهم الثاني عشر للاشتباه بوجود صله له بالحادثة؛ أفضى لأخيه المتهم الثامن خشيته أن يتم القبض عليه، فاقترح عليه الأخير أن يلوذ بالفرار من المنزل والاختباء لدى أخيهما المتهم الثامن عشر في الشقة حيث توجد فيها رفقة أصدقائه والكائنة بمنطقة السالمية.

فجر السبت

وفي حوالي الساعة 1:45 من فجر يوم السبت اتصل المتهم الثامن هاتفياً بجارهم المتهم السادس والعشرين وطلب منه الحضور فوراً إلى منزله، واصطحاب المتهم الأول إلى منطقة السالمية حيث شقة المتهم الثامن عشر، فأقلَّه المتهم السادس والعشرون إلى هناك دون أن يعلم عن صلة المتهم الأول بالحادث، وعند حوالي الساعة الرابعة فجراً وصل المتهم الأول لشقة أخيه المتهم الثامن عشر وكان برفقته وقتئذ المتهمون من الثاني والعشرين حتى الخامس والعشرين.

بيد أنه لم يفصح لأي من المتواجدين هناك عن صلته بالحادث سوى لأخيه المتهم الثامن عشر حيث طلب منه أن يستضيفه ويحميه من رجال الشرطة، فاستجاب له واستبقاه لديه ولم يبلِّغ الأخير عن أمر المتهم الأول إلى السلطات لإعانته على الفرار وإخفائه رغم علمه بدوره بالجريمة مثار التهمة الأولى، وفي الساعة السادسة من مساء يوم السبت الموافق 27 يونيو 2015 غادر المتهمون الأول والثامن عشر والثاني والعشرون الشقة بمركبة الأخير. حيث اصطحب المتهم الأول إلى منزل صهره المتهم التاسع الواقع بمنطقة الرقة بعد أن أقلَّ المتهم الثامن عشر لمنزله بمنطقة الصليبية.

إتلاف الهواتف

هذا ووصل المتهم الأول ذلك المنزل ساعة صلاة المغرب ودخل لديوانية المنزل، فحضرت إليه والدة زوجته المتهمة السادسة عشرة فاستفسرت منه عن سبب حضوره إليهم إذ إنه كان حديث العهد بالزواج ولم يدخل بعد بزوجته، فطلب منها لقاء زوجته المتهمة الخامسة عشرة بضعاً من الوقت، ووعدها أن ينصرف من المنزل عقب ذلك، وقبل حضور الأخيرة إليه التقى بالمتهم السابع عشر وطلب منه إتلاف هواتف المتهم فهد القباع لإخفاء أدلة الجريمة بعدما أفصح له عن دوره في حادثة التفجير وأرشده عن مكان الهواتف بداخل مركبته، وبعد أن غادر الأخير المنزل برفقة زوجته المتهمة الرابعة عشرة لتنفيذ ما طلبه منه المتهم الأول؛ دخلت المتهمة الخامسة عشرة إلى الديوانية، والتقت بالمتهم الأول فأفضى إليها تفصيلاً عن حادثة التفجير ودوره فيها ولم تبلغ بأمره السلطات لإخفائه وإعانته على الفرار، وقد مكثا سوياً بالديوانية حتى حضر رجال الأمن وألقوا القبض على المتهم الأول عند حوالي الساعة الحادية عشرة من مساء ذات اليوم.

حبس 8 متهمين بين سنتين و15 سنة

أصدرت محكمة الجنايات أحكاماً متفاوتة بالحبس على عدد من المتهمين.

وقضت المحكمة بحبس المتهم الـ17 صالح طعمة العنزي 15 سنة، مع شمول الحكم بالنفاذ الفوري وإبعاده عن البلاد بعد تنفيذه العقوبة، مع حبس المتهم العاشر عادل عقل الظفيري 10 سنوات مع شمول الحكم بالنفاذ الفوري.

وحكمت بحبس المتهمتين الـ13 و14 هاجر وسارة فهد فرج نصار، خمس وسبع سنوات على التوالي، مع شمول الحكم بالنفاذ الفوري، وإبعادهما عن البلاد بعد تنفيذهما العقوبة.

كما حكمت بحبس المتهم الـ18 عبدالسلام صباح عيدان خمس سنوات، مع شمول الحكم بالنفاذ الفوري، وإبعاده عن البلاد بعد تنفيذه العقوبة، فضلا عن حبس المتهمتين الـ20 نسمة محمد قاسم والـ21 سحر قاسم علي، 4 سنوات، مع حبس المتهمة الـ15 مريم فهد فرج نصار سنتين، مع شمول الحكم بالنفاذ الفوري، وإبعادهن عن البلاد بعد تنفيذ العقوبة.

11 متهماً انتسبوا إلى «داعش»

قالت المحكمة انه كان المنسوب إلى المتهمين من الأول حتى السادس، وكذا التاسع والعاشر والثالثة عشرة والرابعة عشرة وأيضاً السابع عشر، أنهم انتسبوا إلى جماعة محظورة وهي تنظيم الدولة الإسلامية المسمى «داعش»، بعد أن اتخذ كل منهم مركزاً متبايناً ومتقدماً عن الآخر، إذ كان المتهمان الخامس والسادس من منظمي التنظيم ومن بين قيادييه وممن يرسمون خططه ويشرفون على تنفيذها، وهما من بعد ذلك منضمان إلى صفوفه، فضلاً عن المتهمين الثاني والتاسع فهما منظمان أيضاً في التنظيم وداعيان إلى الانضمام إليه، فقد دعا المتهم الثاني المتهم الأول للانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية وطلب إليه مبايعة أميره أبوبكر البغدادي، كما دعا المتهم التاسع ابنته المتهمة الرابعة عشرة للانضمام إلى هذا التنظيم، وكان المتهمون الأول والثالث والرابع والعاشر والرابعة عشرة ممن اشتركوا في هذا التنظيم مع علمهم بالغرض الذي يعمل له، ومن إنه تنظيم محظور، واتجهت إرادتهم إلى تحقيق أهدافه رغم علمهم بتعارضها مع الدعائم الأساسية والنظام العام في البلاد، هذا وقد اشترك ودعا إلى الانضمام لهذا التنظيم المتهمان الثالثة عشرة والسابع عشر، بعد أن استخدم المتهمان الأخيران أحد حسابات التواصل الاجتماعي «تويتر» لدعوة الآخرين إلى الانتساب إلى تنظيم الدولة الإسلامية.

بطاريتان وشفرة حلاقة

قالت المحكمة أن المتهم الأول توجه إلى جمعية الصليبية بناء على طلب المتهم الثاني وابتاع منها بطاريتين ذات قوة تسعة فولت لتشغيل صاعق الحزام الناسف وشفرة حلاقة ليجز المتهم فهد القباع بها لحيته كي لا يسترعي انتباه أحد حال دخوله مسجد الإمام الصادق لتنفيذ العلمية وحتى يبدو كأنه من العامة، ثم عاد إلى منزله وعند حوالي الساعة العاشرة صباحاً بعدما استيقظ المتهم فهد القباع من نومه ودخل دورة المياه للاستعداد، وجز لحيته بعد أن قدم له المتهم الأول شفرة الحلاقة وبعد خروجه من دورة المياه؛ ارتدى الحزام الناسف بمعاونة المتهم الأول وقدم له الأخير غترة وعقالا ودشداشة كبيرة الحجم حتى لا يبرز الحزام الناسف عندما يرتديه.

مصادرة جهازي نقال وصندوق لحفظ الأطعمة

حكمت المحكمة بمصادرة المضبوطات، وهي عبارة عن جهازي هاتف نقال وصندوق حفظ الأطعمة، وبعدم قبول الدعاوى المدنية المرفوعة ضد وزيري المالية والداخلية ومدير الإدارة العامة للجمارك بصفتهم، وإحالة الدعوى المدنية المرفوعة ضد المتهمين المدانين في القضية، وعددهم 15، إلى المحكمة المدنية الكلية المختصة لتحديد جلسة لنظرها.

القضاء للحكومة: راقبوا المناهج والمنابر

قالت المحكمة في حيثيات الحكم إنه إثر خطورة هذا الفكر وعنفه اللاإنساني وإزاء ما تفحصته من وقائع الدعوى؛ تجد في نفسها لزاما أن تهيب بالسلطة التنفيذية أن تبسط رقابتها بحزم على المناهج العلمية، وتلك المواد الخصبة التي يتناولها بعض الخطباء من أعالي المنابر حتى تقوض الشاذ منها من مصدره وتجفف منبعه، وذلك حفاظا على ما اتسم به الدين الإسلامي من اعتدال ووسطية وحماية للنشء من خطر الغلو ومرض التشدد، باعتبار أن مواجهة هذا الفكر لا تكون بإعمال مواد القانون والإيقاع بأشدها على الجناة فحسب، بل تأتي ضمن سلسلة متكاملة أهمها تلك الفكرية التوعوية التي تعد الملاذ الآمن لحفظ النشء والذود عنه من تلقاء نفسه، ولاسيما أن الإنسان هو ابن عوائده ومألوفه لا ابن طبيعته ومزاجه، ومن ثم يلزم تكريس روح الوحدة الوطنية وتلقينها للنشء، وغرس الفكر العقلاني المعتدل فيه، ووضع أسس قبول الآخر في نفسه مهما اختلف جنس هذا الآخر أو أصله أو لغته أو دينه أو طائفته.

تبرئة 14 متهماً

قضت محكمة الجنايات ببراءة 14 متهماً، وهم المتهم السابع جراح نمر مجبل، والثامن علي صباح عيدان، والـ11 محمد خليف العنزي، والـ12 سالم صباح عيدان، والـ16 ياسمين محمد عبدالكريم، والـ19 مزنة خليف منوخ، والـ22 فهد سعد الفضلي، والـ23 محمد فهد السعيد، والـ24 ضيف الله فهد السعيد، والـ25 فرج حمود العنزي، والـ26 ضاري أحمد رويعي، والـ27 فهد شخير العنزي، والـ28 عبدالله مساعد العنزي، والـ29 عبدالرحمن بن نافع الرويلي، مما أسند إليهم.

أفكار «التنظيم» ونشاطه زحفت إلى البلاد

ليس ضرورياً لاعتبار جماعة محظورة أن يصدر قرار رسمي من السلطات بذلك

أكدت المحكمة أن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) يُعتبر في نظر القانون جماعة محظورة، ولا يقبل الحديث عن أن السلطات المعنية بالدولة لم تصدر بحظره قراراً بعد، ومن ثم لا عقاب على من ينتسب إلى هذا التنظيم، ريثما يصدر هذا القرار، وهذا مما استند إليه دفاع المتهمين الأول والثالثة عشرة والرابعة عشرة بختام دفاعهم المسطور المقدم منهم بجلسة المرافعة، توطئة لدفع مسؤولية هؤلاء المتهمين عن الانتساب إلى التنظيم لعدم وضوح موقف الدولة تجاهه.

 وأي تشكيل جماعي من الأفراد يرمي إلى تقويض النظم الموصوفة بمادة العقاب، بل يهدف إلى فعل إجرامي، هو الذي تناوله المشرع بالحظر، وليس بلازم لاعتبار الجماعة محظورة أن يصدر قرار رسمي من السلطات المختصة في الدولة بحظرها، لاسيما أن بعض هذه التنظيمات سرية وغير معلنة، الأمر الذي يقطع بأن جماعة موصوفة بمادة العقاب هي محظورة بقوة القانون، وليس أدل على هذا من أن المشرع لم ينتظر حتى تشرع تلك الجماعات بأفعالها الخطيرة على الدولة، وتعمل على تحقيق أهدافها بقلب نظام الحكم في البلاد، وهدم دعائم الدولة الأساسية، وانتهاج الفكر التكفيري بما مؤدّاه الاعتداء على ما أسبغته الدولة من حماية على شعائر الأديان والمذاهب، ومناهضة حرية الاعتقاد، وعرقلة المبادئ المستقرة بين أفرادها حكومة وشعباً.

 ومما سبق يتضح أن تنظيم الدولة الإسلامية المسمى بداعش، يهدف إلى تحكيم مبادئ الإسلام وإنشاء دولة الخلافة الإسلامية (الموحدة) وإزالة الحدود بين كل الدول وتنصيب خليفة للمسلمين على تلك الدول، فلما كانت دولة الكويت لا شأن لها بالهدف العام للتنظيم إلا بالقدر الذي تلزمها فيه المعاهدات والاتفاقيات الدولية وبالحد الذي يمس أمنها وحسن علاقتها بجيرانها من دول أخرى.

 وثبت أن أفكار هذا التنظيم ونشاطه قد زحفت نحو البلاد وأطل منتسبو هذا التنظيم عليها، باعتناقهم الفكر التكفيري على أراضيها وبقتل من ينتمي إلى الطائفة الشيعية، وبشرعنة الفكر المناهض للدولة الداعي إلى عصيان سلطاتها بتبني إقامة دولة الخلافة الإسلامية بدلاً من الإمارة الوراثية في ذرية المغفور له مبارك الصباح، وتطبيق الحدود الإسلامية بدلاً من العقوبات الوضعية، بما مؤدّاه الاعتداء على ما أسبغته الدولة من حماية على شعائر الأديان والمذاهب، ومناهضة حرية الاعتقاد.

 وهو ما يعني أيضاً العمل على هدم النظم السياسية والاجتماعية في البلاد بنقضها وإسقاطها من أساسه بما في ذلك النظام الأميري الذي ارتضاه الكويتيون منذ أمد بعيد، ونص عليه الدستور في المادة (4) منه، وكذلك النظام الديمقراطي الذي اتخذه الكويتيون سبيلاً لبناء وطنهم وخلق في نفوسهم ثقافة قبول واحترام الرأي والرأي الآخر، ونص عليه الدستور في المادة (6) منه، بما يستتبع إسباغ الحظر القانوني على هذا التنظيم وعلى النحو السالف بسطه.

الحربي هو العقل المدبر ومنسق العملية

قالت المحكمة إنه بعدما أحاطت بالوقائع موضوع الاتهام، ووجوهها القانونية، وأمعنت النظر في كافة أدلتها، فقد تبين لها أن المتهمين الستة الأول والمتهم التاسع هم المساهمون الرئيسون مع المتهم فهد القباع بالاتفاق والتحريض والمساعدة في سعيه الخبيث بتفجير مسجد الإمام الصادق وما تنج عنه من قتل ودمار، من خلال اتفاقهم وتهيئة بعضهم الوسائل اللازمة لتنفيذ الجريمة، انطلاقا من كونهم مؤمنين بهذا التنفيذ لأغراض تنظيمهم الإرهابي المسمى بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وأن هذه القناعة هي التي دفعتهم إلى الإسهام بالاتفاق والتحريض والإعداد للجرائم موضوع التهمة الأولى.

فالمتهم الخامس هو من أوجد بداءة النية الإجرامية لدى المتهم الأول، وهو من حرضه وحبذ في نفسه القيام بعملية انتحارية لمصلحة التنظيم بحيث أنه لولا هذا التحريض ما كانت تلك الإرادة قد تولدت أصلا لديه، ولا ينال من هذا من أن إرادة الأخير بالجهاد – على حد تفسيره لهذا العمل - والالتحاق بالتنظيم كانت تراوده بين الفنية والأخرى كرغبة لا يقر القرار على تنفيذها، إذ إن المتهم الخامس عمل على انعقاد إرادة إجرامية لدى المتهم الأول لم يكن قد كوّنها بعد، فهو روح هذه الجريمة وموجدها، أما المتهم السادس فهو من قطع دابر تردد المتهم الأول وشد من أزره حينما استشاره الأخير واستطلع رأيه بشأن العملية، والذي كان من المحتمل أن المتهم الأول لو كان عقدته للنية الإجرامية وحيدا لكان قد تراجع عما فكر به، وخاصة بعدما أبدى عدم انشراح صدره للقيام بها، فحسم تردده مستغلا انحراف فكر للمتهم الأول وشذوذ تفسيره لأمور الدين وحضه وأمله بالثواب والأجر من الله في حال تقديمه أي مساعدة في هذا الحادث الانتحاري المشئوم.

أما عن المتهمين الثالث والرابع فهما اللذين جلبا قلب تلك الجرائم ووسيلتها وهو الحزام الناسف - المفرقعات - وقدماه للمتهم الأول مع علمهما بطبيعة المواد المتفجرة التي احتواها ذلك الحزام وبالغرض الذي من أجله سيستخدم فيه.

وأما عن العقل المدبر ومنسق العملية وهمزة الوصل بين المتهمين الخمسة الأول ومنفذ العملية، فهو المتهم الثاني بدر الحربي (نبراس) الذي بزر دوره جليا بالمشهد، بعدما رتب المتهم الخامس تواصل المتهمين الأول والثاني ببعضهما البعض، فقد اتفق الأخير مع المتهم فهد القباع والمتهم الأول على الجريمة موضوع التهمة الأولى، وتفاعلت إرادته مع إرادتهما وعقدوا العزم جميعا على تفجير مسجد الإمام الصادق وقتل من فيه، وسارت إرادتهم على ذات الاتجاه، فضلا عن مساعدته للمتهم الأول بعدما أرشده عن مكان الحزام الناسف بالمنطقة البرية – جنوب البلاد – وطلب منه نقله وحفظه، كما رتب لقاء المتهم الأول بالمتهم فهد القباع، وقدم سبل المساعدة للأخير عبر تزويده بالمعلومات والإرشادات حول كيفية استعمال الحزام الناسف وطريقة ارتدائه، وهو من تخير وقت تنفيذ العملية وكيفية تنفيذها، فضلا عن تعليماته التي أملاها على المتهم الأول بشراء بطاريات صاعق الحزام الناسف، إضافة إلى شفرات الحلاقة كي يجز المتهم فهد القباع لحيته وتقديم الثياب اللازمة للأخير، حتى لا يسترعى انتباه أحد أثناء تنفيذه الجريمة، وهو من أمر المتهم فهد القباع بتنفيذ العملية الانتحارية حينما أبدى المتهم الأول تردده قبل اللحظات الأخيرة للتنفيذ، بسبب خوفه من دوريات الشرطة المتوقفة أمام مسجد الإمام الصادق، وطلب الأخير إنزال منفذ العملية فورا من السيارة لقطع دابر التردد فيه.

أما المتهم الأول عبدالرحمن عيدان فهو المساعد الرئيس للمتهم فهد القباع في عمله الآثم، فقد أسهم إيجابيا بتهيئة الوسائل ووضع كافة الإمكانيات أمامه وقدم العون له وأزال عنه جميع العقبات، وتولى نقل الحزام الناسف وحفظه ثم استضاف المتهم فهد القباع في منزله وقدم إليه الحزام الناسف وتدرب على استخدامه في سبيل مساعدته على ارتدائه، وصاحبه إلى مكان الحادث بعد أن اختاره بنفسه لتنفيذ هذه الجريمة، عالما بما ينتويه وهو تنفيذ ما اتفق عليه من تفجير المسجد بواسطة الحزام الناسف، استهدافا لحياة كافة الموجودين بالمسجد.

وأخيرا، فالمتهم التاسع هو من ارتكبت هذه الجريمة – بالدرجة الأولى - لمصلحته بعدما هدد وتوعد تنظيمه الإرهابي السلطات الأمنية في البلاد حتى يطلق سراحه، وإرساله للالتحاق بصفوفه داخل الأراضي السورية، وبعد أن خاب مسعاهم اتفق المتهم السادس مع - معلمه وأستاذه - المتهم التاسع واتحدت إرادته معه وعقدا العزم في ما بينهما على تفجير مسجد الإمام الصادق لإضفاء الجدية على هذه التهديدات.

وهم عودة الخلافة

أشار حكم الجنايات إلى «وحشية تنظيم الدولة الإسلامية المسمى داعش، بعدما أسس القتل على الطائفة بطرق بشعة استطاع أن يوطن وحشيته في عقول عدة ، منها من عاشت وهم عودة الخلافة، وعقول أخرى أثقلها الانحراف الفكري، فظنت تحقق مبتغاها في هذا التنظيم الإجرامي، بعد أن ملأت سموم هذا التنظيم عقول هؤلاء، إثر شرعنة أنصاره التوحش نصاً بتأويلات لا أساس لها بالدين الإسلامي، إذ إنهم أطلقوا الشرك على عواهنه، وانهال أتباع هذا التنظيم الإجرامي بالقتل والتخريب والدمار بحجة الشرك وهي الحجة التي أطلت على البلاد برأسها من هذه الزمرة الفاسدة والمضللة للدين والمنتمين إلى تنظيم يسعى إلى نشر الفوضى بكافة أقطار العالم ومنها الكويت، ولئن كانت إرادة الله جلت قدرته وعلت مشيئته قد أحاطت البلاد من الفتنة الطائفية وردت عنها كيد المعتدين الغادرين الذين يزعمون أن تعاليم الدين الإسلامي هي منطلقهم وسندهم في ما هم فيه يعيثون، بيد أنهم تنكبوا طريقه القويم، والدين منهم براء، فقد بغوا في الأرض ولم يعد في أفكارهم متسع للجميع، فإما أن يستتب الأمن لفكرهم المنحرف، وإما أن يهلكوا ويهلكوا معهم الجميع.

إلا ما نتج عن الحادث من إزهاق لأرواح حرم الله تعالى قتلها إلا بالحق، وخلفت من بعدها أطفالاً يتماً وزوجات أرامل وأمهات ثكلى، وما نال أنفساً أخرى من إصابات بالغة كادت تفتك بالبعض منها وتسلبها نعمة الحياة لولا رأفة من الله ورحمة، وما لحق بمسجد الإمام الصادق وباقي المنشآت والسيارات في مكان الحادث من أضرار فادحة، فضلاً عن ترويع أمن البلاد والعبث بمقدراته.

وإذ كان المتهم الأول قد ترعرع في هذه البلاد ونهل من خيرها ونعم بالأمن في ربوعها، وهو المقيم على أراضيها بطريق غير مشروع، أيكون جزاؤها منه هذا الجحود والنكران وتطاوعه نفسه الشريرة أن تحالف شيطانها وتعمد إلى محاولة زرع الفتن بهذا البلد، وتسفك للدماء البريئة، فقد استمرأ هذه الجريمة البشعة ولم يرده عنها وازع من خلق أو دين أو حرمة لهذا البلد الذي أكرم وفادته وأحسن مثواه.

المشمولون بحكم الإعدام

شملت عقوبة الإعدام في القضية (رقم 40 لسنة 2015 حصر أمن الدولة) المتهمين الأول عبدالرحمن صباح عيدان الذي تسلم الحزام الناسف وجهز الانتحاري فهد القباع وأوصله للمسجد، ووالي داعش في الكويت فهد فراج، وخمسة موجودين خارج البلاد ومنتمين لتنظيم داعش في سورية والعراق، هم: بدر الحربي وشهرته (نبراس) وشبيب العنزي وفلاح نمر والأخوان السعوديان محمد وماجد الزهراني المقبوض عليهما في السعودية.

حيثيات حكم تفجير مسجد الصادق: