فجر يوم جديد : «خانة اليك»

نشر في 09-01-2016
آخر تحديث 09-01-2016 | 00:00
 مجدي الطيب  {خانة اليك» كما يعرفها هواة لعبة النرد، حسب مجمع اللغة العربية، أو {الطاولة»، باللغة العامية، هي الخانة أو الزاوية الصعبة التي يصعب الخروج منها أو الحركة بعدها، وينبغي على من يتواجد فيها أن يُسلم بهزيمته، وهو الموقف الذي يجد الأبطال: محمد فراج، محمد شاهين، نبيل عيسى، رامز أمير وعمر السعيد أنفسهم فيه مع استيقاظهم تباعاً في مصنع مهجور أُغلق بابه ونوافذه بإحكام بينما يغص بأسطوانات غاز الإيثيلين، وقطع الأثاث المتهالكة، ومذياع من طراز عتيق وساعة قديمة معطلة وهاتف أرضي مقطوع الصلة بالعالم الخارجي (ديكور محمد المعتصم). تبلغ الإثارة ذروتها باكتشافهم أنهم فقدوا الذاكرة بشكل مؤقت، نتيجة استنشاق كمية من الغاز السام، وتنتابهم الحيرة حول حقيقة الأسباب التي أدت إلى وجودهم في المكان المهجور، بينما يؤدي التصوير (عمرو فاروق)، والإضاءة الزرقاء، دوراً كبيراً في تأكيد حالة الشك والريبة المتبادلة، وأيضاً التحفز والتربص، بين المُستفيقين من الغيبوبة المؤقتة!

 على صعيد موازٍ، تتعقب الأجهزة الأمنية عصابة ملثمة اختطفت نجل رجل أعمال شهير، وتطلب فدية مقابل الإفراج عنه، وهنا نستطيع بالكاد تحديد الفترة الزمنية للأحداث، وهي فترة الانفلات الأمني التي أصابت مصر في الأعوام الأخيرة. ومثلما يحدث في لعبة البازل، يُلقي الفيلم في وجوهنا بقطع صغيرة تكشف جزءاً من الحقيقة أو الصورة الكاملة لما يحدث، ولا نجد صعوبة في الربط بين حادث الاختطاف وبين الرجال في المصنع المهجور، لكن أحداً لا يمكنه التنبؤ، مطلقاً، بالنهاية المثيرة التي تكتمل فيها ملامح الجريمة. وتبدأ الأقنعة في التساقط عن وجوه الجميع، وكالعادة يحدث التنوير، وتأتي النهاية السعيدة، بالوصول التقليدي المتأخر لسيارة الشرطة، بقيادة الضابط الذي يتحفظ على الأشرار، الأموات منهم والأحياء، ويُفرج عن الأخيار والتوابين، كالرهينة والذين معه، وتفضح نظرات أحدهم حقيقة خطيبة ابن رجل الأعمال التي تورطت في الأزمة!

 «خانة اليك» يؤكد نجاح المخرج أمير رمسيس في استعادة توازنه، الذي ظهر جلياً في فيلم «بتوقيت القاهرة»، وبشرنا به من قبل في فيلميه الوثائقيين: «عن يهود مصر» و{عن يهود مصر: نهاية رحلة»، فها هو يتخذ منحى أسلوبياً جديداً، ويطرق لوناً فنياً مختلفاً، وتبدو مقدرته كبيرة على السيطرة على عناصره، كالتوظيف الرائع للمؤثرات الصوتية، وإن كنت أعيب عليه، ومعه المؤلف لؤي السيد والمنتج سامح العجمي، عدم استكمال شوط المغامرة إلى النهاية، إذ كان بمقدورهم الاعتماد على الأبطال الخمسة وحدهم، والانطلاق من الوحدة المكانية والزمانية فقط، والاستغناء عن شخصيات لم تؤخر أو تقدم، مثل أشرف زكي وأمينة خليل والاستعاضة عن العصابة، ورئيسها أشرف مصيلحي، بتكثيف درامي يحافظ على إثارة وغموض التجربة كما يُسئل المخرج أمير رمسيس عن عدم تجانس الموسيقى (هيثم الخميسي) والتعسف في إقحام الكوميديا على حوار رئيس العصابة، بينما تميزت الستايلست (لينا علي) بتكثيفها حالتي الغموض والكآبة من خلال الملابس القاتمة للأبطال.لكن المخرج أمير رمسيس أفلت من فخ المكان الواحد بمشاهد حركية أضفت حيوية، واختيار أبطال بينهم تكامل بدني وذهني، وتكثيف الأحداث من خلال الاختزال الواضح عند الإشارة إلى الخلفية الاجتماعية للأبطال، والمرور السريع أو الومضات الخاطفة، من دون ثرثرة، على الأزمات النفسية التي كانت سبباً في انحرافهم، فالصورة في فيلم «خانة اليك» محور الإثارة، والتوجس حجر أساس الحوار، والإيقاع اللاهث (مونتاج وسام الليثي) كان سمة للتجربة التي لا ينبغي الحكم عليها بعقلية «المخبر كولمبو» بعد أن ترك البعض جرعة التشويق والإثارة والغموض التي وفرها فيلم «خانة اليك»، وراح يفتش في «الأفلام الأميركية» التي يحتمل أن يكون للفيلم صلة بها، وبعد «البحث والتحري» اتهموا الفيلم بأنه مأخوذ عن الفيلم الأميركي SAW إخراج جيمس وان، وكأن أي فيلم يستيقظ فيه حفنة من الرجال في غرفة محكمة الإغلاق بذاكرة مشتتة وذهنية ضائعة لا بد من أن يكون مستنسخاً من SAW!

 هذا النوع من «النقد المباحثي» الذي ظنناه اندثر، عاد ليطل برأسه من جديد في مواجهة فيلم «خانة اليك»، وبدلاً من الثناء على التجربة، وعناصرها، والنتيجة التي انتهت إليها، كان الاهتمام بالتفتيش في نوايا أصحابه، وعن الأصل الذي اعتمد عليه، والمفردات المستلهمة من الفيلم الأميركي، كالحمام المهجور الذي أصبح مصنعاً مهجوراً وأيضاً المنشار الحديدي، بينما تؤكد قراءة الفيلم أننا حيال سيناريو يمثل انقلاباً واضحاً في أسلوب الكاتب لؤي السيد، الذي لم يُعرف عنه كتابة أفلام الغموض والتشويق، بل اشتهر بموضوعاته الكوميدية، وجاءت تجربته في «خانة اليك» لتجبرنا على إعادة تقييمه من جديد، إذ إن لديه مقومات الكاتب القادر على احتوائنا بحبكة مثيرة لموضوع يكتنفه الغموض، وأسرار شائقة يصعب التكهن بها أو التوصل إليها، على غير عادة الأفلام المصرية التي يمكن التنبؤ بنهايتها منذ المشهد الأول، ومع أول جملة حوار ينطقها البطل !

back to top