أغلب الظن أن روسيا بادرت إلى اعتبار الاعتداءات على البعثات الدبلوماسية غير مقبولة بهدف تخفيف قرار مجلس الأمن الدولي والاكتفاء باعتذار إيران، وهذا مع أن المفترض أن يكون اعتذار دولة "الولي الفقيه" إلى المملكة العربية السعودية لأنها الطرف المتضرر، ولأن الهجوم الذي من غير الممكن أن يتم بدون موافقة الجهات الإيرانية العليا قد استهدف سفارتها في طهران وقنصليتها في مشهد، وفي تناغمٍ يؤكد أن هذا الاستهداف كان بقرار من تلك الجهات التي هي الوحيدة صاحبة مثل هذا القرار.
كان الروس قد أعلنوا في البدايات استعدادهم للتوسط بين المملكة العربية السعودية وإيران، وحقيقةً فإنَّ من يعرض مثل هذه الوساطة العائمة والفضفاضة وغير الواضحة، وبدون أن يحدد الطرف المعتدي والطرف المعتدى عليه، لا يمكن أن يكون هدفه عمل الخير وإصلاح ذات البين والنوايا الطيبة، وإنما تمييع الأمور والالتفاف على هذه القضية كلها، وفي النهاية اعتبار كأن شيئاً لم يكن، وأنه على الدنيا السلام.لكن عندما أدركت روسيا أن مبادرة التوسط التي تقدمت بها لا يمكن أن يكون النجاح حليفها نظراً لالتهاب الأوضاع وسرعة المتغيرات وتلاحق القرارات التي أقدمت عليها السعودية لإفهام إيران أن يدها ليست مطلقة في هذه المنطقة، وأنه لابد من الكيل لها مقابل الصاع صاعين فإنها، أي روسيا، وجدت أن عليها أن تسجل موقفاً إيجابياً يجعلها مقبولة، ولو بالحدود الدنيا من الطرف الآخر، ويمكنها من تخفيف حدة قرار مجلس الأمن الدولي الذي كان من الممكن أن يصدر تحت البند السابع عشر ليصبح سيفاً مصلتاً فوق رأس طهران التي تمادت كثيراً لأسباب عدة، من بينها ميوعة الموقف الأميركي ورداءة التدخلات الدولية وتآمر بعض الأطراف في هذه المنطقة.إن المفترض أن يكون اعتذار إيران مزدوجاً، أولاً: للمملكة العربية السعودية الدولة المتضررة والمعنية مباشرة بالعدوان الإيراني فعلاً على سفارتها في طهران وقنصليتها في مشهد، وثانياً: لمجلس الأمن الدولي الذي هو أعلى هيئة عالمية مخولة التعاطي مع مثل هذه الأمور، وهذا كان يجب أن ينطبق أيضاً على تعهد طهران بعدم تكرار هذه الجريمة وعدم استهداف البعثات الدبلوماسية على الأراضي الإيرانية.والسؤال هنا: هل يا ترى ستلتزم إيران بتعهدها هذا ولن تكرر هذه الفعلة الشنيعة مرة أخرى وحتى وإن بوسائل وأساليب غير أساليب استهداف السفارة السعودية في طهران والقنصلية في مشهد؟!وحقيقة، فإن هذا التعهد لا يمكن الركون إليه ولا الاعتماد عليه على الإطلاق، مادام التعامل مع دولة ثبت على مدى (36) عاماً أنها تتخلى عن عهودها ووعودها قبل أن يصيح الديك، والدليل هو أن أحد معمميها أطلق تصريحاً مدويّاً قبل أن يجف الحبر الذي كتب به قرار مجلس الأمن الدولي الآنف الذكر ادعى فيه، وهو غير صادق بل كذاب أشر، أن الرياض نفذت حكم الإعدام بـ "آية الله"! نمر باقر النمر لاستدراج ردِّ فعلٍ يبرر قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران... وبالطبع فإن هذا غير صحيح على الإطلاق، ذلك لأن هذا الرجل، الذي كل ولائه للولي الفقيه وللأجهزة الأمنية الإيرانية، قد ارتكب من الجرائم الإرهابية ما يستحق معها أن يكون هذا مصيره منذ عشرات الأعوام.
أخر كلام
الاعتذار كان يجب أن يكون للسعودية
06-01-2016