اليونان.. يورو أم دراخما؟!

نشر في 11-07-2015
آخر تحديث 11-07-2015 | 00:01
 يوسف عوض العازمي هل كان يخطر على بال وزير المالية اليوناني في سنة 1953 وهو يوقع في مدينة لندن على وثيقة إلغاء نصف الديون المستحقة لبلده على ألمانيا، تلك التي ترتبت كتعويضات لليونان عن احتلال الألمان النازي بمساعدة إيطاليا الفاشية من سنة 1941 إلى سنة 1944، أن تكون ألمانيا نفسها بعد عقود العضو الأوروبي الأبرز في التشدد ضد بلاده أثناء أزمتها المالية الحالية؟

ها هي الأيام تدور وتظلم الجوانب المشرقة للحالة المالية لليونان، وتكون على حافة الانهيار المالي في الوقت الحالي، ما لم تحدث معجزة أو أمور استثنائية، وتبدو ألمانيا أحد أشد الصقور ضراوة على اليونان! لكن هذا الأخيرة لم تفوتها لألمانيا واسترجعت الماضي، فالتاجر كما يقول المثل الشعبي "إن خسر فتش في الأوراق القديمة"، إذ طالبت اليونان وبشكل مفاجئ بإعادة التفاوض حول التعويضات الماضية التي تم التنازل عن نصفها حسب وثيقة لندن، والسبب أن المفاوضات توقفت بعد انقسام ألمانيا إلى بلدين، والآن بعد إعادة توحدها فهي مجبرة قانونيا على تسديد تعويضاتها عن فترة الاحتلال، وقدرت أثينا أن برلين مدينة لها بمبلغ 278.7 مليار يورو وفقا لحسابات مكتب المحاسبة العامة في اليونان!

وتواجه أثينا مصاعب كبيرة بسبب إجراءات التقشف التي فرضها الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي، مقابل خطط وضعت للإنقاذ المالي بقيمة 240 مليار يورو للحيلولة دون إفلاس اليونان! وهي لا تحتاج مليارات ساخنة وخطط تقشف مؤلمة، بل هي في حاجة لإعادة هيكلة اقتصادية شاملة طويلة المدى، لتطبق بواقعية ووفق دراسات جدوى منطقية، لأنها في حالة مرض، لكنها تملك أسباب الشفاء إن تم التشخيص السليم وقدم العلاج الناجع المناسب لإمكاناتها الضخمة التي لولا سوء التخطيط والتنفيذ في السابق لما وصل الأمر إلى ما تعيشه حاليا، ومن ضمن الحلول المطروحة الخروج من الاتحاد الأوروبي والعودة لعملتها السابقة الدراخما، وهناك من اقترح "البيكوتين"، وهي عملة افتراضية مشفرة تعمل إلكترونيا كالدولار واليورو.

 وحتى نأخذ الموضوع من أوله فقد انضمت اليونان إلى منظومة اليورو في يناير 2001، وبالطبع لم يحدث الانضمام إلا بعد التقيد بكامل الشروط المطلوبة للانضمام؛ لذلك وبما أنه قد حدث ما حدث فعلى دول اليورو العودة للمربع الأول، والتحقيق في كيفية قبول اليونان في منظومتها، وعليها أن تحاسب نفسها قبل أن تحاسب اليونان.

واضح أن هناك معلومات مغلوطة عن الوضع الائتماني لليونان وقتها، إضافة إلى أمور قد حدثت خلف الكواليس ساهمت في "تورط" منطقة اليورو بدخول اليونان، والآن وبعد نتيجة الاستفتاء في اليونان والنتيجة الواضحة له أصبح الوضع صعبا، وتم رمي الكرة بملعب منطقة اليورو، ولم يعد لليونان ما تخسره وسط تشدد ألماني وليونة فرنسية، وارتباك بقية دول المنظومة، والعملة الأوروبية تهبط أمام الدولار في أقل سعر منذ عشر سنوات، ولا يمكن التنبؤ بما سيحدث في قادم الأيام.

وأعطيت اليونان يوما واحدا كمهلة لاتخاذ القرار المؤلم، وهو تطبيق حزمة قرارات مالية أخرى صعبة على الحكومة والمواطن، أي أن الأمر يحتاج جراحة عاجلة حسب الاتحاد الأوروبي وإن كانت غير مضمونة النتائج.

وزير المالية اليوناني وقع كتاب استقالته كما وعد مسبقا بعد نتيجة الاستفتاء، وخرج من مكتبه إلى دراجته بصحبة زوجته وترك الميدان، وهو الذي كان يصرح تصريحات شديدة اللهجة في الإعلام ضد الإجراءات الأوروبية، واستلم مكانه وزير جديد يتصف بقلة التصريحات، وكانت تصريحاته الأولية هادئة، ولا أعلم ما الذي سيجده من حلول لهذه الكارثة المالية غير المسبوقة؟ هل سيكون الهدوء الإيجابي مركبا أوليا للبحث والتعامل مع ما يجري؟

القرار يجب ألا يكون انفعاليا بل بحكمة متناهية وصبر كبير، وحلول منطقية وواقعية تنتصر بها النظرة البعيدة، التي ستجبر اليونان ودول اليورو على تقديم تنازلات ودعم مالي، يساعد على نمو الوضع المالي والائتماني لليونان وفق الخطة الطويلة المدى كما ذكرت في سطور سابقة.

نهاية الأمر دول اليورو دخلت مرحلة التورط المالي في كل الحالات، وقد تتأثر التصنيفات الائتمانية لبعض دولها بسبب ما حدث باليونان، وإن كنت أعتقد أن دول اليورو ستتجاوز هذه المرحلة، لكن ما حدث سيكون درسا قاسيا لن ينسى، فاليونان الآن لم يعد لديها ما تخسره إما يورو وإما دراخما!

back to top