عصر جديد من إبداع الرعاية الصحية

نشر في 23-12-2015
آخر تحديث 23-12-2015 | 00:00
التقدم التحويلي في الرعاية الصحية يدين بالكثير للمعلومات الجينومية الجديدة، وإتاحة البيانات الضخمة للتأثير على القرارات بشكل مباشر لحظة بلحظة، والتوصل إلى علاجات أفضل توجيهاً، فضلاً عن أنظمة التسليم الأكثر اتصالا.
 بروجيكت سنديكيت نحن نشهد موجة جديدة من الإبداع في مجال الرعاية الصحية، موجة تَعِد بخلق الأنظمة الصحية الأكثر ذكاءً واتصالاً وكفاءة والتي يشهدها العالم على الإطلاق، فالآن تعمل التكنولوجيات والعلاجات الجديدة المغيرة لقواعد اللعبة على تحويل ممارسة الطب، وتغيير تجربة المريض بشكل كبير، وخلق الظروف الملائمة للمزيد من الاختراقات الجديدة.

وبوسعنا أن نرى الدليل في البيانات، ففي العام الماضي، طُرِح 61 عقاراً جديداً في مختلف أنحاء العالم، وهو رقم غير مسبوق مقارنة بمتوسط سنوي بلغ 34 عقاراً في العقود المنصرمة، وكان أكثر من 40% من هذه العلاجات لحالات نادرة ويصعب علاجها، بما في ذلك الالتهاب الكبدي "سي"، والمكورات السحائية "بي"، وسرطان الجلد النقيلي. ويلوح في الأفق المزيد من الاختراقات الجديدة، إذ تشير التقديرات إلى أن نحو 70% من العقاقير والأدوية قيد التطوير في مختلف قطاعات الصناعة تُعَد علاجات من المحتمل أن تكون "الأولى في فئتها"، وهذا يعني أنها تستخدم آليات جديدة تماماً لمكافحة المرض.

وبوسعنا أن نعزو هذه الموجة الجديدة من الإبداع إلى ثلاثة عوامل رئيسة: القدرة على جعل العلاج شخصيا، والقدرة على طرح العلاجات في السوق بسرعة أكبر، وتحسين التواصل مع المرضى.

فأولا، يعمل التقدم الذي طرأ على معرفتنا بالجينوم- وخاصة الطريقة التي تتجلى بها الأمراض وتتطور في الجسم على المستوى الجيني- على تحسين قدرتنا على استهداف المرض في كل مراحله وتحسين تجربة المريض. فالعلامات الجينية على سبيل المثال، من الممكن أن تشير إلى أي المرضى من المحتمل أن يستفيد من الدواء، وهذا يعني بالتالي تحسين النتائج والسماح للمرضى في الوقت نفسه بتجنب الآثار الجانبية المؤلمة للعلاجات التي من المرجح أن تنجح.

فبين مرضى سرطان الثدي في مراحله المبكرة، تُظهر العلامات الوراثية ما إذا كان العلاج الكيميائي من المحتمل أن يؤثر، أو ما إذا كان العلاج الهرموني وحده هو الخيار الأفضل، ولا ينجح أحد أدوية سرطان الرئة الجديدة الذي طورته شركتي نوفارتيس إلا مع المرضى الذين يعانون سرطان الرئة ذي الخلايا غير الصغيرة والذين لديهم طفرة جينية معينة.

لا يزال استخدام الخبرات الجينومية في تحسين الرعاية الصحية في بداياته، ويتمثل أحد مجالات التحقيق الواعدة في الأداة كريسبر، وهي أداة متطورة ومن الممكن أن تسمح لنا بحذف أو إصلاح أو استبدال الجينات التي تسبب المرض، ومع تزايد دقة فهمنا لخصائص مرض يعانيه مريض بعينه، يصبح العلاج متزايد الفعالية ونتمكن من الحد من مخاطر الآثار الجانبية.

وعلاوة على ذلك، يعمل التقدم في فهمنا للمرض على تعزيز كفاءة عملية تطوير الأدوية، فيجعل من الممكن جلب إبداعات جديدة إلى السوق بشكل أسرع، على سبيل المثال يستخدم الفحص الجيني لاختيار المشاركين مسبقاً للتجارب السريرية، وهذا من شأنه أن يختصر زمن الاختيار، وبالاستعانة بهذا النهج يصبح من الممكن أن يبدأ البحث في مدة قد لا تتجاوز ثلاثة أسابيع، مقارنة بنحو 34 أسبوعاً في المتوسط للتجارب المعتادة. أضف إلى هذا قدرتنا على تحليل البيانات بسرعة أكبر، واتخاذ قرارات أكثر دقة بشأن الجرعات، كما يتقلص زمن التجارب السريرية إلى حد كبير.

وأخيرا، من الممكن أن تعمل البيانات المحدثة لحظة بلحظة والأدوات التكنولوجية الناشئة على تحسين عملية إشراك المريض ومدى التزامه، وخصوصا بين أولئك الذين يعانون حالات مزمنة ناجمة عن أمراض غير معدية، وفي ظل الشيخوخة السكانية على مستوى العالم، من المتوقع أن ترتفع معدلات الإصابة بالأمراض غير المعدية لكي تصبح مسؤولة عن 52 مليون حالة وفاة سنوياً بحلول عام 2030. والواقع أن أكثر من 80% من الوفيات الناجمة عن أمراض غير معدية ترجع إلى حالات مزمنة مثل أمراض القلب والأوعية الدموية والجهاز التنفسي، والسرطان، والسكري.

في وضعنا الحالي تمثل حالات عدم الالتزام بأنظمة الدواء مشكلة كبرى في معالجة الأمراض غير المعدية، على سبيل المثال سنجد أن مرضى السكري في الولايات المتحدة من بين الأقل امتثالاً يتعرضون لخطر سنوي بنحو 30% للدخول إلى المستشفى، مقارنة بنسبة 13% بين المرضى من ذوي المستويات العالمية من الالتزام، وهذا يعني ضمناً تكاليف ضخمة تتحملها أنظمة الرعاية الصحية؛ نحو 200 مليار دولار أميركي في الولايات المتحدة ونحو 125 مليار يورو (133 مليار دولار أميركي) في الاتحاد الأوروبي كل عام، ومن الممكن أن تعمل التكنولوجيات التي تشرك المرضى في رعاية أنفسهم صحياً وتمكن المزيد من الالتزام السلس بالأنظمة الدوائية على تحسين إدارة الأمراض، والحد من الحالات التي تضطر إلى دخول المستشفى، فضلاً عن خفض التكاليف.

الواقع أن التقدم التحويلي في الرعاية الصحية يدين بالكثير للمعلومات الجينومية الجديدة، وإتاحة البيانات الضخمة للتأثير على القرارات بشكل مباشر لحظة بلحظة، والتوصل إلى علاجات أفضل توجيهاً وفردانية، فضلاً عن أنظمة التسليم الأكثر اتصالا، ولكن هذا ليس سوى البداية، وبوسعنا أن نتوقع المزيد من الاختراقات التي تصبح ممكنة بفضل التقارب بين العلم والتكنولوجيا، وخاصة مع دخول لاعبين غير تقليديين إلى قطاع الرعاية الصحية، وفي هذه العملية تصبح الشراكات بين شركات الرعاية الصحية والتكنولوجيا متزايدة الأهمية.

إنها لحظة مثيرة في عالم الرعاية الصحية، حيث يلوح في الأفق عدد كبير من الإبداعات المعطلة للأنظمة القديمة، وهي أنباء طيبة بالنسبة إلى المرضى ومقدمي الرعاية الصحية على حد سواء.

* جوزيف جيمينيز | Joseph Jimenez ، الرئيس التنفيذي لشركة نوفارتيس.

«بروجيكت سنديكيت، 2016» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top