هل تواجه هيلاري كلينتون مشكلة قانونية لأنها نقلت على الأرجح معلومات سرية على خادمها الخاص للبريد الإلكتروني؟ بعد التحدث إلى نحو ستة محامين واسعي الاطلاع، أعتقد أن هذه "الفضيحة" مبالغ فيها، لا شك أن استخدام الخادم مشكلة جلبتها كلينتون لنفسها، لكنه لا يشكل مسألة قد يحملها أي مدعٍ إلى المحكمة.

Ad

من الشائع أن يستخدم الناس أنظمة غير آمنة لنقل معلومات سرية، حسبما يوضح جيفري سميث، مستشار عام سابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وشريك حالي في شركة محاماة أرنولد وبوتر، حيث يمثل غالباً مدعى عليهم يُقال إنهم أساؤوا استعمال المعلومات السرية.

يوضح سميث: "ثمة دوماً أقنية خلفية، فلا مفر من ذلك لأن الأنظمة الآمنة تكون معقدة غالباً، ويملك كثيرون القدرة على الاطلاع على الرسائل الإلكترونية والبرقيات السرية"، ونتيجة لذلك يختار مَن يحتاجون إلى توجيهٍ بشأن مسألة حساسة عموماً الهاتف أو إرسال رسالة عبر نظام مفتوح، ومن المفترض ألا يقوموا بذلك إلا أن هذا ما يفعلونه.

يشير مسؤول سابق رفيع المستوى في وزارة العدل: "من المتعارف عليه أن نظام الاتصالات السرية مستحيل وغير مستعمل"، ويؤكد عدد من المدعين العامين السابقين أن هذه الممارسات قد تكون خرقاء وغير مسموح بها وتشكل من الناحية التقنية خرقاً للقانون، إلا أنها لا تؤدي عادة إلى قضايا إجرامية.

شكّل استخدام كلينتون خادما خاصاً لرسائل إلكترونية، عندما كانت وزيرة الخارجية، محور حملة انتقاد واسعة طوال أشهر، فقد اعتبر النقاد أن أكبر مشكلة تكمن في احتمال نقل معلومات سرية عبر هذا الخادم، ونتيجة لذلك طلب كثيرون من كبار مساعديها السابقين استشارة قانونية، لكن الخبراء في قانون الأمن القومي يقولون إن المسألة لا تستدعي كل هذه الضجة على الأرجح.

أولاً، يشير الخبراء إلى أنه ما من اختلاف قانوني سواء نقلت كلينتون أو مساعدوها معلومات حساسة باستخدام خادمها الخاص أو حسابها الرسمي state.gov الذي كان يُفترض أن تستعمله، حسبما يصر كثيرون اليوم، فلا يُعتبر كلا النظامين مخولا لنقل معلومات سرية. ثانياً قلما نشهد ملاحقات قضائية بسبب انتهاكات مماثلة، ولا شك أن التساهل في المسائل الأمنية يؤخذ دوماً على محمل الجد، إلا أنه يُعتبر عموماً من المسائل الإدارية.

تنشأ الانتهاكات الإجرامية المحتملة عندما يسرّب المسؤولون عمداً وثائق تُعتبر سرية إلى مسؤولين غير مخولين الاطلاع عليها أو عبر أنظمة غير آمنة، مما يعني أنهم يسيئون استخدام المواد السرية، إذ حدث ذلك في حالتين تشملان مديرين سابقين لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية. صحيح أن هاتين الحالتين ترتبطان اليوم بمسألة الرسائل الإلكترونية الخاصة بكلينتون، إلا أنهما مختلفتين تماما.

أُعفي جون دويتش عام 2001 لاستخدامه كمبيوتراً غير آمن تابعاً لوكالة الاستخبارات المركزية في منزله بغية ولوج معلومات سرية بطريقة غير ملائمة، ويُقال إنه كان سيقر بارتكابه جنحة أمام المحكمة، وعلى نحو مماثل أقر ديفيد بترايوس بارتكابه جنحة في شهر أبريل الماضي لأنه نقل "عمداً" وثائق سرية من مواضع مسموح بها واحتفظ بها في "مواضع غير مسموح بها"، لكن مسألة رسائل كلينتون الإلكترونية تختلف كل الاختلاف عن كلتا هاتين الحالتين.

دافعت كلينتون عن نفسها في 26 أغسطس، مصدرة بياناً اختارت كلماته بعناية: "لم أرسل معلومات سرية، ولم أتلقَّ أي مواد صُنّفت أو اعتُبرت سرية". قد تُبدو هذه كلمات ماكرة إلا أنها تتناول مباشرة لبّ ما قد يشكل قضية إجرامية.

ما يحدث في العالم الواقعي في وزارة الخارجية؟ يقدّم سميث مثالاً افتراضياً عن مساعد وزير يتلقى برقية سرية من باريس عن اجتماع مع وزير الخارجية الفرنسي ويرغب في الحصول على توجيه سريع من الوزير؛ لذلك يسارع إلى توجيه رسالة إلكترونية بدل أن يبعث ببرقية سرية كان سيطلع عليها على الأرجح نحو 12 شخصاً.

يضيف سميث: "من الناحية التقنية، أخذ معلومات سرية ووضعها في نظام غير آمن، ولا يختلف هذا عن رفع سماعة الهاتف والتحدث عن الموضوع، وهذا خطأ بالتأكيد، لكن تحدي الحصول على انتباه الوزير ونيل التوجيه عند الحاجة يشكلان ضرورة إنسانية بيروقراطية لا مفر منها. هل هذه جريمة؟ قد يكون الجواب "نعم" من الناحية التقنية، لكنه لا يخضع مطلقاً للملاحقة القانونية".

كانت القنوات الخلفية غير الرسمية قائمة قبل وقت طويل من ابتكار الرسائل الإلكترونية، فيتذكر مسؤول سابق في وزارة الخارجية المرحلة التي كانت فيها معظم السفارات في الخارج تملك عدداً قليلاً من الخطوط الهاتفية المخصصة للاتصالات السرية، فبدل التوجه إلى المكتب التنفيذي للقيام باتصال مماثل، اعتاد المسؤولون استعمال هواتفهم العادية، إلا إذا كانوا يملكون حقاً معلومات حساسة للغاية، فيقول هذا المسؤول السابق: "هل تخطينا الخطوط الحمراء؟ لا شك في ذلك. هل عرضنا المعلومات للخطر؟ ربما. ولكن إن لم نكن في موسكو أو بكين، فلا داعي للقلق".

تُستخدم القنوات الخلفية لأن القنوات الرسمية مكبلة بطبقات من السرية والبيروقراطية، إذ امتلكت وزارة الخارجية "قناة روجر"، التي تحمل اسم مسؤول سابق يُدعى روجر هيلسمان، واستُخدمت هذه القناة لنقل رسائل سرية مباشرة إلى الوزير، وامتلك رئيس هيئة الأركان المشتركة قناة مماثلة، كذلك كان بإمكان رؤساء مكاتب وكالة الاستخبارات المركزية توجيه الرسائل عبر ما عُرف بـAardwolves إلى مدير الوكالة مباشرة.

هل يُساء استعمال هذه القنوات أحياناً؟ هذا مؤكد. فهل هذه جريمة؟ كلا على الأرجح.

* ديفيد إغناتيوس | David Ignatius