الحب: «هارموني» روحين!

نشر في 03-12-2015
آخر تحديث 03-12-2015 | 00:01
 مسفر الدوسري إن أكبر الخذلان في قصص الحب التي نعرفها ليس من العذول ولا الظروف ولا  فارق التوقيت ولا القيود والعوائق، إن أكبر الخذلان في قصص الحب من الأحباب أنفسهم، كثيراً ما حمّل الأحباب بعضهم بعضاً خطيئة قتل المشاعر بينهم، وذنب الكفر بالهوى، وكثيراً ما سمعنا هذه الجملة تتردد على ألسنة أغلبهم: "ليس هو ذلك الشخص الذي عرفته في البداية"، أو جملة أخرى تقول: "لم أعرف أنه كذلك، لقد خدعني" وكأنما الحب بيننا يتم عبر صفقة سريّة تتم في الغرف المظلمة، فإذا ما خرجنا للنور اتضح لنا هول ما ارتكبنا!

لطالما يبست حناجر المحبين من عذابات من يحبون، واكتوت أصواتهم من حرقة الألم إلى أن وصل الحريق إلى قلوبهم، ولطالما تردّدت شكاويهم المشبعة بالآهات من عدم التوافق فيما بينهم وبين من يحبّون، يأتي أحد هؤلاء  المحبين حاملاً شمعدانه في قلبه فيُفاجأ بأن من يطفئ الشموع هو ذات الشخص الذي أتى إليه بقلبٍ مضيء، ويملأ كفّيه بجنائن الورد ويصيبه في مقتل أن من أدمى كفّيه بالشوك هو نفسه الحبيب الذي بسط راحتيه لأجله جنّة من الزهور، ثم تبدأ بعد ذلك سلسلة اللعنات الموجهة للحب، والشتائم التي تكال إليه، بزعم أنه المتسبب الوحيد في جراحاتنا، والمتّهم الرئيسي بحرائق قلوبنا، والحقيقة التي لا تحتاج إلى كثير من التفكير هي أن المحبين ولا أحد سواهم هم شرّ الحب بسبب نقص وعيهم وفهمهم له.

الحب من وجهة نظري هو: "هارموني" روحين.

هذا هو الحب بشديد الاختصار، ولكي يعي الذين يجهلون معنى هاتين الكلمتين أقول بشيء من التفصيل، إن "الهارموني" بالتعريف الموسيقي جملة موسيقية تعزفها نغمتان من درجتين مختلفتين في السلّم الموسيقي، إلا أن هاتين الدرجتين لابدّ أن تكونا منتقاتين وإلا أصبح اللحن نشازاً حتى وإن عزفتا ذات الجملة الموسيقية.

هذا هو بالضبط ما يحدث في الحب السليم، لن يتشكّل الهارموني العاطفي إذا أحب شخصٌ شخصاً آخر يشبهه، إلاّ أن هذا الاختلاف له ضوابط أيضاً حتى لا يصبح لحن الحب نشازاً.

ففي الهارموني الموسيقي إذا كنت تعزف جملة لحنية ما من درجة "الدو" مثلاً... يمكنك إنشاد نفس الجملة بنفس اللحن، ولكن من طبقة "المي" أو "الصول"، فإذا عزفت نفس الجملة ولكن من طبقة "الري" أو "الفا" مثلاً أصبح اللحن نشازاً يؤذي السامعين.

لا يكون الحب حبّا سليماً إلاّ بهذا التشكّل الهارموني بين روحين، روحان مختلفتان تعزفان ذات النغمة دون نشاز، فلماذا إذن نختار النغم النشاز الذي يؤذي أرواحنا؟! قد يقول قائل تلك الجملة الشماعة التي نداري بها عورة أمراضنا العاطفية: ولكننا لا نختار من نحب!

أقول نعم قد يكون الحب قدراً ولكن الأحباب ليسوا كذلك، فإذا قُدّر لنا أن نختار أحبّة يعزفون النشاز، فعلينا أن نوقف هذا النشاز ما استطعنا، وإذا لم نستطع فيجب ألاّ نشتكي إذا ما اخترنا الصمم لمسامع أرواحنا، والأكثر من ذلك علينا أن نتيقن أن هذا النشاز الذي يؤذي أرواحنا ليس حبّاً، فالحب هو:"هارموني" روحين يُطرب عازفيه قبل السامعين.

back to top