من مذاهب الفلسفة الوجودية فكر اللاجدوى، أي أنه لا معنى لوجودك ولحياتك، فأنت في النهاية ستموت، ولن تغير من حقيقة قدرك ومصيرك، وهذا الكون اللامتناه لن يكترث إن ماتت نملة دهساً بالأقدام، أو مات عظيم مثل أينشتاين، فكلا الخبرين سيان. لخص هايدغر هذه الفكرة بعبارة أرسطو ولد وكتب ومات... ليس كل الفلسفة الوجودية عدمياً، لكن عبثية الفكر عند بعض أصحابها أنتجت الأدب العبثي absurd  (ترجمة)، وعمالقة مثل بيكيت، وسارتر وكامو، وبنتر وغيرهم.

Ad

لا يهم ماذا يقول الوجوديون، الآن، ورأيهم في لا جدوى الوجود، لكن ألسنا في واقع حالنا بالكويت نمارس عبثية الكتابة بالإعلام والنقد، وهي عبثية قهر وإحباط لا علاقة لها بالأدب العبثي الأجنبي، فحين تكتب في أي وسيلة إعلامية، وتفكر أنه في النهاية لا جدوى من الكتابة، فالكون السياسي الكويتي، وربما الخليجي أو العربي لن يتأثر، ولن يتغير آخر الأمر. تفكر أن تكتب عن "رثاثة" جبال الفساد، وتتذكر أنك في النهاية جالس على هضبة من هضبات سلسلة تلك الجبال التي تبدأ بقوانين القمع فكراً، وتتشكل مادياً بهيئة جبل القمامة في بيروت، فتقيد يدك، وتشل فكرك، فلا تكتب أو تخربش بعموميات خاوية فتكون هباء منثوراً عند جبال السياسيين الذين لا تهزهم رياح المقهورين.

في أحايين غير منتهية تحاول أن تجتهد، بكل قيود التخلف التي تفرضها سلطة القوانين والقيود الاجتماعية الصدئة أن تقول كلمة ما تنفض بعضاً من غبار اللامبالاة السلطوية، وصدأ اللاكثرات الاجتماعي، فتتذكر أنه لا جدوى، في النهاية. فكم مقالاً وكم كلمة نقد "مقيدة" تم نشرها وتكرارها وقتلها مللاً وسأماً، من غير نتيجة، تحدث عن أزمة إفساد، ومشتقاتها من محسوبيات وواسطات ورشا، وغياب حكم القانون أو استغلال وتعسف في استعماله مثل سحب أو إسقاط جناسي مواطنين أو ملاحقة مغردين وحبس المعارضين... إلخ وإلخ من غير نهاية الإلخات... والخاتمة طبعاً اللاجدوى.

تحدث كما تريد، مثلاً، عن كارثة المرور أو فوضى البلدية وفسادها، واستبداد وفساد دولة الموظف العام، وبيروقراطية الدهاليز الإدارية القاتلة، وغياب روح المسؤولية عند ثلاثة أرباع جهاز الدولة الإداري، لكنك تعرف، آخر الأمر أنه "لا جدوى" من الكلام، فعبثية السياسة تلخص بعبارة "الشق عود"! فلا الوكيل، ولا الوزير، ولا حتى رئيس الوزراء  يستطيع أن يفعل شيئاً، كلهم أمام الأمر الواقع يقولون "مافيش فايدة يا صفية".

 اكتب، كما تحلم وهماً بالتغيير، فهم يقرون معك وربما قبلك

-هم القاطنون في الأدوار العليا-، بكل إحباطات الدولة، وكيف كانت، مثلاً، في الستينيات، وكيف أضحت اليوم، فهم أيضاً مؤمنون بـ"اللاجدوى" في قرارة أنفسهم، ويتناسون كيف تم جر الدولة والمجتمع معها للخلف بقاطرتهم السياسية بوعي أو بدون وعي... النتيجة واحدة وهي أننا بالأمس كنا أفضل حالاً... واليوم هم أفضل حالاً.

لك أن تتحدث وتتكلم في "الحدود" التي تضيق وتغلق مثلما يريدون، ومتى يشاؤون، فهناك، مثلما تعرف أو لا تعرف، مسائل كبرى في أضابيرهم لا يجوز الحديث والخوض فيها، فهي تمس "المصلحة العليا"، وهي مصالحهم ومصلحة البلاد والعباد! أليسوا هم من العباد أيضاً! ولكنك تعلم يقيناً وأنت في حظيرة الممكن المسموح أن دمغة "اللاجدوى" ستكون خاتمة كلامك، فجلودهم أضحت سميكة، ولن يكترثوا لما تسطر، فأنت، ولا تنس هذا أبداً في حظيرتهم وحظوتهم، وعلى ذلك تكلم أو غرد مثلما يحلو لك، وكما فصلوا القفص الذي تغرد فيه وتخطب منه على مقاسك المناسب، فيد اللاجدوى هي التي تقبض على مسكة سقف القفص، هو سقفك... وسقف  سياسة اللاجدوى في ديرتنا... يا حسافة على الأمس.