أكدت محكمة الاستئناف، عدم قانونية التفتيش، الذي يجريه رجال وزارة الداخلية في النقاط الأمنية، بما يتجاوز الحدود الطبيعية له.

Ad

وقالت المحكمة، التي أصدرت حكمها، برئاسة المستشار عادل الهويدي، وعضوية المستشارين عبدالله الصانع ومفرح الجداوي، إن التفتيش الاحترازي الذي يجريه رجال وزارة الداخلية، يجب ألا يطول مسائل أخرى لا تبرره، وإن أي تجاوز يُعد تفتيشا باطلا لإجرائه، من دون الحصول على إذن من النيابة العامة بذلك.

وقالت «الاستئناف» في حكمها، الذي أيَّدت فيه حكم محكمة أول درجة، ببراءة وافد مصري، إن مجرَّد سير المتهم مترجلاً بالطريق، وتوقفه لرجال الشرطة، لا ينبئ بذاته عن إدراك ضابط الواقعة بطريقة يقينية على وجود اتهام يبرر استيقافه وتفتيشه احترازيا، وفق ما قرر به رجل الضبط.

وقالت المحكمة في حيثيات حكمها إن الغرض من التفتيش الاحترازي، هو تسهيل عملية القبض على المتهم، والتحفظ عليه، بتجريده مما عسى أن يحمله من سلاح أو أشياء أخرى قد تساعده على الهرب، وليس لرجل الشرطة وهو مقيَّد بهذا الغرض، تجاوزه إلى تفتيش آخر، لغرض آخر، وإلا كان ذلك التفتيش باطلا، ويبطل معه كل دليل استمد منه أو ترتب عليه، وقد جاءت حيثيات حكم محكمة الاستئناف، كالتالي:

تجاوز «التفتيش»

أكدت محكمة الاستئناف في حيثيات حكمها، أن حكم محكمة أول درجة، انتهى إلى براءة المتهم من التهمة الأولى المنسوبة، وهي حيازة مؤثرات عقلية، تأسيساً على بطلان القبض والتفتيش، وما تلاهما من إجراءات، وقد حمل قضاءه على أسباب حكمها، وتضيف إليها دعما له، أنه من المقرر أن الاستيقاف إجراء يقوم به رجل الشرطة للتحري عن الجرائم، لكشف مرتكبها، ويسوغه اشتباه تبرره الظروف، وهو مباح لرجل الشرطة، إذا ما وضع الشخص نفسه، طواعية منه واختيارا، في موضع الريب والظن.

وأضافت المحكمة أن هذا الوضع ينبئ بضرورة تستلزم تدخل المستوقف للتحري عنه، والكشف عن حقيقته، وهو مشروط بألا تتضمن إجراءاته تصرفا ماديا للمتحرى عنه، يمكن أن يكون فيها مساس بحريته الشخصية، أو اعتداء عليها. وكان مجرد سير المتهم مترجلا بالطريق وتوقفه لرجل الشرطة لا ينبئ بذاته عن إدراك ضابط الواقعة بطريقة يقينية على وجود اتهام يبرر استيقافه وتفتيشه احترازيا، وفق ما قرر به رجل الضبط.

وأشارت المحكمة إلى أنه من المقرر أن الغرض من التفتيش الاحترازي، هو تسهيل عملية القبض على المتهم، والتحفظ عليه، بتجريده مما عسى أن يحمله من سلاح أو أشياء قد تساعده على الهرب، وليس لرجل الشرطة، وهو مقيَّد بهذا الغرض، تجاوزه إلى تفتيش آخر، لغرض آخر، وإلا كان ذلك التفتيش باطلا، ويبطل معه كل دليل استمد منه أو ترتب عليه.

وبينت المحكمة أنه لما كان ذلك، وكان ضابط الواقعة قد عثر مع المتهم على سكين، كما قرر، فمن غير المقصود أن يقتضي بحث الضابط عن أشياء أخرى، من شأنها أن تساعد المتهم على الهرب، وأن يقوم بالبحث في جيبه الخلفي، ليعثر على كيس صغير به مجموعة من الحبوب، بعضها به مؤثر عقلي، والآخر خالٍ منها، من ثم، فإن ذلك التفتيش وبالكيفية التي تم بها يكون متجاوزا للغرض الذي شرع من أجله التفتيش الاحترازي، ويكون قد استطال لغرض آخر، هو سعي مَن أجراه للبحث عن جريمة لا صلة لها بذلك النوع من التفتيش، من ثم يكون التفتيش باطلا، ويبطل الدليل المستمد منه أو المترتب عليه.

وأوضحت أنه لا يجوز التعويل في الإدانة على شهادة مَن قام بهذا الإجراء، من ثم تساير هذه المحكمة محكمة أول درجة، فيما تساند إليه قضاؤها من بطلان التفتيش الواقع على المتهم، وتقرر ذلك القضاء في ما خلص إليه من براءة التهم من التهمة الأولى المسندة إليه.

وإذا لم يأتِ استئناف النيابة العامة بجديد ينال من قضاء الحكم المستأنف، فإنه يكون قد أقيم على غير أساس، متعينا رفضه موضوعا، عملا بالمادة 208/1 من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية.

مشروعية الدليل

وكانت محكمة أول درجة، قضت ببراءة المتهم من التهمة الأولى، بحيازة مؤثرات عقلية، وبتغريمه 300 دينار، لمخالفته قانون الإقامة.

وأكدت في حيثيات حكمها، أنه من المقرر بنص المادة 51/ 1-2 من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية، أن «لمن يقوم بتنفيذ القبض، أن يفتش المقبوض عليه مبدئيا، لتجريده من الأسلحة، وكل ما يحتمل أن يستعمله في المقاومة، أو إيذاء نفسه أو غيره، وأن يضبط هذه الأشياء، ويسلمها مع المقبوض عليه إلى الأمر بالقبض، وإذا عثر أثناء هذا التفتيش بصفة عرضية على أشياء متعلقة بالجريمة أو تفيد في تحقيقها، فعليه أن يضبطها أيضا، ويسلمها إلى الأمر بالقبض».

وأضافت أنه من المقرر بقضاء محكمة التمييز، تقدير الظروف المحيطة بالجريمة، وما كانت متلبسا أو غير متلبس بها، هو مما تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب عليها، ما دامت أقامت قضاءها على أسباب سائغة.

وقالت «الجنايات» إن تقدير مشروعية الدليل، من صميم اختصاص قاضي الموضوع، فلا يصح النعي على المحكمة، وهي بسبيل ممارسة حقها في التقدير، بأنها تجاوزت سلطتها، إذ إن في ذلك ما يجر في النهاية إلى توقيع العقاب على بريء، وهو أمر يؤذي العدالة، وتتأذى منه الجماعة، ما يتحتم معه إطلاق القاضي الجنائي في تقدير سلامة الدليل وقوته، من دون قيد، في ما عدا الأحوال المستثناة قانونا.

بطلان الإجراءات

وأوضحت المحكمة في حيثيات حكمها، أنه لما كان ذلك، وكان مما شهد به ضابط الواقعة وكيل عريف ماضي سيف الهاجري، بتحقيقات النيابة العامة، من أنه وأثناء قيامه بعمله، بتفقد الحالة الأمنية بدورية الشرطة بمنطقة حولي، ومروره بجوار المتهم، أبصر الأخير مرتبكا، فاستوقفه، وبالاستعلام عنه، تبيَّن أن إقامته بالبلاد قد انتهت، فقام بتفتيشه احترازيا، قبل إحالته لجهة الاختصاص، فعثر معه على المضبوطات سالفة البيان، من ثم ترى المحكمة أن ذلك التفتيش سعى فيه القائم إلى البحث عن أدلة لا صلة لها بجنحة الإقامة بالبلاد، من دون ترخيص، كما أن العثور على سكين مع المتهم لا يبيح له الاستمرار في البحث عن أشياء أخرى (الاقراص المضبوطة) لا تدل بطبيعتها على أنها أسلحة، أو ما يحتمل أن يستعمله المتهم في المقاومة أو إيذاء نفسه أو غيره، عملا بنص المادة 51/ 1-2 من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية سالفة البيان، وإذا كان الإجراء الذي قام به ضابط الواقعة للكشف عن تلك المضبوطات غير مشروع، فإن المحكمة تقضي ببطلانه وبطلان ما ترتب عليه من إجراءات تلته، واستبعادها، وهي شهادة القائم بالتفتيش، وإجراء تحليل للمضبوطات من قِبل النيابة العامة، وما أسفر عنه ذلك التحليل من نتائج، وإذا خلت الأوراق بعد ذلك من دليل على صحة إسناد الاتهام للمتهم عن التهمة الأولى، فإن المحكمة تقضي ببراءته منها، عملا بنص المادة 172/ 1 من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية.