وصفت المحكمة الدستورية قانون هيئة أسواق المال أمس برئاسة المستشار يوسف المطاوعة وعضوية المستشارين خالد سالم، ومحمد بن ناجي، وخالد الوقيان، وإبراهيم السيف بأنه متسم بالعدالة والتنافسية والشفافية على نحو يوفر الحماية اللازمة للمتعاملين في أسواق المال، وبما يكفل الحد من الممارسات غير الملائمة وغير القانونية وغير العادلة في نشاط تداول الأوراق المالية.

Ad

حسمت المحكمة الدستورية أمس أمر دستورية المادة 122 من قانون هيئة أسواق المال، لتغلق باب الجدل حول المادة، والذي أثير برلمانياً ومن متداولي السوق، وانتهت المحكمة إلى سلامة المادة 122 من قانون هيئة أسواق المال.

ووصفت «الدستورية» قانون هيئة أسواق المال أمس برئاسة المستشار يوسف المطاوعة، وعضوية المستشارين خالد سالم، ومحمد بن ناجي، وخالد الوقيان، وإبراهيم السيف بأنه متسم بالعدالة والتنافسية والشفافية على نحو يوفر الحماية اللازمة للمتعاملين مع أسواق المال، وبما يكفل الحد من الممارسات غير الملائمة وغير القانونية وغير العادلة في نشاط تداول الأوراق المالية.

ولفتت المحكمة في حيثيات حكمها إلى أن نص المادة 122 من القانون المطعون عليها جاء ليجرم صورتين من الأفعال محدداً لكل صورة منها ركناً مادياً لا قوام لها بغيره وفق قواعد منضبطة، وفي عبارات واضحة جلية يعلمها المتعاملون في السوق دون تنافر بين المستفاد من ذلك النص وبين حكم العقل والمنطق لا لبس فيه ولا إبهام.

وأكدت أن المادة 122 لا تعاقب على النوايا التي يضمرها الإنسان في أعماق ذاته دائماً بل يتعلق الأمر بأفعال أحدثتها إرادة مرتكبها، وتم التعبير عنها خارجياً في صورة مادية لا تخطئها العين، وفي ما يلي نص حكم الدستورية:

أكدت المحكمة الدستورية في حيثيات حكمها أن الطعن مقام على أن نص المادة 122 من قانون هيئة أسواق المال يحدد الأفعال المؤثمة تحديداً واضحاً دقيقاً لا لبس فيه، وجاءت صياغة عباراته فضفاضة، بالغة السعة والشمول، كما أن هذه الأفعال تتفاوت في ما بينها من حيث وزنها ومدى جسامتها، مما يستلزم معها تدرجاً في العقوبة على نحو من شأنه أن يحقق التناسب والتوازن بين العقوبة والجريمة، فضلا عن أن بعض هذه الأفعال لا يستوجب أصلاً تقرير عقوبة جنائية عند ارتكابها، وهو ما يجعل هذا النص منطوياً على شبهة التعارض مع نص المادتين (30) و(32) من الدستور.

وقالت المحكمة في حيثياتها إنه عن النعي على النص سالف الذكر بعدم تحديد الأفعال المؤثمة تحديداً دقيقاً واضحاً وعمومية عباراته، فهو مردود بأن النص في المادة (30) من الدستور على أن «الحرية الشخصية مكفولة»، والنص في المادة (32) منه على أن «لا جريمة ولا عقوبة الا بناء على قانون... «يدل- وحسبما جرى به قضاء هذه المحكمة- على أن مبدأ شرعية الجريمة والعقوبة الذي يخول المشرع بموجب سلطته التقديرية- التي يمارسها وفقاً للدستور- الحق في إنشاء الجرائم وتحديد العقوبات التي تناسبها، وان اتخذ هذا المبدأ من كفالة الحرية الشخصية بنياناً لإقراره، وأساساً لتأكيده، إلا أن هذه الحرية ذاتها هي التي تقيد محتواه ومضمونه، بحيث لا يكون إنفاذه إلا بالقدر اللازم الذي يكفل صونها، ولازم ذلك انه يجب ان تكون الأفعال المؤثمة محددة بصورة قاطعة بما يحول دون التباسها بغيرها، وان تكون واضحة في بيان الحدود الضيقة لنواهيها، حتى يكون المخاطبون بها على بينة ومن حقيقة تلك الأفعال التي يتعين عليهم اجتنابها، تحقيقاً لهدف المشرع من العقوبة وهو الزجر الخاص للمجرم جزاء وفاقاً لما اقترفته يداه من جرم، والردع العام لغيره لحمله على الأعراض عن إتيان الجرم.

وبينت «الدستورية» انه لما كان المشرع بموجب القانون رقم (7) لسنة 2010 بشأن إنشاء هيئة أسواق المال قد حرص على أن يكون تنظيم نشاط تداول الأوراق المالية متسماً بالعدالة والتنافسية والشفافية، على نحو يوفر الحماية اللازمة للمتعاملين في أسواق المال، وبما يكفل الحد من الممارسات غير الملائمة وغير القانونية وغير العادلة في نشاط تداول الأوراق المالية، لذلك جرم الأفعال التي من شأنها الإخلال بحركة التعامل في السوق، وزعزعة ثقة المتعاملين فيه.

 وجاء النص الطعين ليجرم صورتين من الأفعال، محدداً لكل صورة منهما ركناً مادياً لا قوام لها بغيره، وفق قواعد منضبطة، وفي عبارات واضحة جلية يعلمها المتعاملون في السوق، دون تنافر بين المستفاد من ذلك النص وبين حكم العقل والمنطق، لا لبس فيه ولا إبهام.

 الصورة الأولى: هي التصرفات التي تنطوي على خلق مظهر أو إيحاء زائف أو مضلل بشأن التداول الفعلي لورقة مالية او لسوق الأوراق المالية، وقد جعل ركنها المادي متمثلا في ادخال أمر شراء أو بيع ورقة مالية، وان يكون من قام بذلك عالماً وقت إدخاله الأمر بأن أمراً مقارباً من حيث الحجم والسعر وزمن البيع والشراء تم أو سيتم إصداره بالنسبة لذات الورقة المالية، من قبله هو نفسه أو من قبل أشخاص آخرين يعملون باتفاق معه.

تداول وهمي

وأشارت المحكمة إلى أنه لا يكفي مجرد التصرف في الورقة المالية بالبيع أو الشراء، إنما يتعين أن يتوافر لدى المتصرف العلم بالأمر الآخر المقارب الذي قام به هو نفسه أو قام به أشخاص آخرون باتفاق معه.

والصورة الثانية: التي جرمها النص الطعين هي إصدار أوامر أو إبرام تصرفات بشأن ورقة مالية يترتب عليها رفع سعر تلك الورقة لنفس المصدر، أو خلق تداول فعلي أو وهمي بشأنها، على أن يكون ذلك بهدف حث الآخرين على الشراء أو البيع، فالركن المادي لهذه الجريمة يتمثل في الأمر أو التصرف الذي يتم بشأن ورقة مالية مقترناً بقصد التأثير على سعر تلك الورقة لرفع هذا السعر، أو لخلق تداول في السوق بشأنها، سواء كان تداولا فعليا أو وهمياً ، لحث الآخرين على الشراء او البيع.

القصد الجنائي

وقالت المحكمة «كان الواضح من النص الطعين انه لا يعاقب على النوايا التي يضمرها الإنسان في اعماق ذاته، انما يتعلق الأمر بأفعال أحدثتها إرادة مرتكبها، وتم التعبير عنها خارجياً في صورة مادية لا تخطئها العين، وانه يتعين ان تقترن هذه الأفعال بقصد جنائي يتمثل في انعقاد نية الجاني واتجاه إرادته وانصراف قصده إلى ارتكاب الجريمة بأركانها على الوجهة المبينة بالنص، ليظهر القصد الجنائي في هذه الجرائم مكملاً لركنها المادي، محدداً لإرادة مرتكبها، كاشفاً عما توخاه حقاً من الأفعال التي اتاها، وبما مؤداه ان هذه الجرائم هي جرائم عمدية يعتبر القصد الجنائي ركنا فيها».

وأضافت «لا يكون إنزال العقوبة بمرتكبها إلا إذا قامت سلطة الاتهام بالتدليل على توافر أركانها بشروطها المحددة، وان تتحقق المحكمة بنفسها- على ضوء تقديرها للادلة التي تطرح عليها- من قيام الدليل على ارتكابها في كل اركانها وعناصرها، وان يكون المتهم مدركاً لحقيقتها ودلالتها الإجرامية إدراكاً يقينيا متجها لتحقيق نتيجتها».

وأوضحت أنه إذا كان الأمر كذلك، وكانت شرعية العقوبة

-من الناحية الدستورية- مناطها أن يباشر كل قاض سلطته في مجال التدرج بها وتجزئتها، تقديراً لها في الحدود المقررة قانوناً، وكان المشرع قد حدد العقوبة التي توقع على مرتكبي الأفعال المؤثمة الواردة في النص الطعين بأنها «الحبس مدة لا تتجاوز خمس سنوات وغرامة لا تقل عن عشرة الاف دينار ولا تجاوز مئة الف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين»، دون ان يحجب هذا النص عن قاضي الموضوع ممارسة سلطته التقديرية في شأن توقيع العقوبة التي تتناسب مع الفعل المرتكب، او يقيده في اختيار الجزاء المناسب الذي يرى ملاءمته وفق كل حالة على حدة من خلال العوامل الموضوعية المتصلة بالجريمة، وتلك العوامل الشخصية المتصلة بمرتكبها. ومن ثم فإن النعي على النص الطعين بعدم وضوح الأفعال المؤثمة وعمومية عباراته، يكون غير قائم على اساس صحيح.

وختمت المحكمة حكمها بأنه عما أثاره حكم الإحالة من نعي بأن هذا النص قد تضمن صوراً من أفعال لا تستوجب اصلا تقرير عقوبة جنائية عند ارتكابها، فضلا عن ان هذه الافعال قد تتفاوت فيما بينها من حيث وزنها ومدى جسامتها، مما يستلزم معها تدرجاً في العقوبة، فإن هذا الوجه من النعي واذ جاء مجهلاً دون ان يحدد حكم الإحالة مدى انعكاس هذا الوجه من النعي على النص الطعين، فإنه ومن ثم يكون غير مقبول.

وترتيبا على ما تقدم جميعه، يتعين القضاء برفض الدعوى.