كان لافتاً ما تردد في أوساط صناعة النفط في الولايات المتحدة اخيراً من أن هبوط أسعار النفط قد شكل نقمة وليس نعمة بالنسبة الى الوضع الاقتصادي، وتسبب بإلحاق مزيد من الأضرار. ويرى بعض المراقبين ان الصورة بدأت بالتغير الآن.

Ad

وبحسب تعليق نشرته صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية "كانت توقعات معظم خبراء الطاقة عندما بدأ هبوط سعر النفط في خريف العام الماضي أنه سوف يفضي الى نتائج جيدة تترك اثرها الجلي على اقتصاد البلاد، وربما العالم ككل. وقد تحقق ذلك بالتأكيد على اكثر من صعيد".

تجدر الإشارة الى أن انتاج النفط في الولايات المتحدة انتعش بقوة نتيجة ثورة الزيت الصخري، ولكن البلاد كانت –ولاتزال– دولة مستوردة بامتياز للمنتجات البترولية. وكانت الصورة تقول إن الخسائر الناجمة عن هبوط الاستثمارات وفقدان فرص العمل في مواقع وأحواض الزيت الصخري سوف تعوض عبر الأموال الاضافية التي سوف تنفق على السلع والخدمات في الولايات المتحدة بدلاً من النفط المستورد.

أنشطة الحفر

ويقول تعليق الصحيفة إن الأمور لم تنجح في الواقع على هذا النحو كما أن الهبوط الحاد في أنشطة الحفر أفضى الى تراجع ملحوظ في الاستثمارات وتسبب في ضعف سوق الوظائف بشكل بدد فوائد الهبوط في أسعار النفط الذي كان موضع ترحيب واسع في شتى أوساط هذه الصناعة.

وقد نجم عن ذلك بمرور الوقت درجة من النمو في الناتج المحلي الاجمالي الأميركي بلغ 0.4 في المئة على أساس سنوي في الربع الأول من هذه السنة بدلاً من انكماش بنسبة 0.2 في المئة. وتشير تقديرات الاقتصاديين في مجلس الاحتياط الفدرالي الى تحقيق المعدل ذاته في تأثير الوضع على الاستثمار خلال الربع الثاني بالنسبة الى الناتج المحلي الاجمالي. ولا يشمل ذلك الانتاج المفقود في قطاعات اخرى، مثل شركات الشحن التي تكسب الكثير من منتجي النفط.

وتشكل شريحة العمال الذين يتم توظيفهم بصورة مباشرة في صناعة الحفر مجرد جزء بسيط من سوق العمل في الولايات المتحدة. وبحسب وزارة العمل فقد تم تعديل الأرقام الموسمية بحيث بلغت 193300 وظيفة في قطاع استخراج النفط والغاز في الولايات المتحدة في الشهر الماضي منخفضة عن 201200 وظيفة في نهاية السنة الماضية.

ولكن حدثت تداعيات شملت كل أنواع الوظائف الاخرى. ولمعرفة تلك التأثيرات يتعين النظر الى فرص العمل في داكوتا الشمالية ونيومكسيكو واوكلاهوما وتكساس وايومنغ. ومع استثناء قطاع التعدين فقد أضافت تلك الولايات مجتمعة 112500 وظيفة خلال الشهور الخمسة المنتهية في مايو الماضي، بانخفاض حاد عن الـ236000 وظيفة التي أضيفت في الشهور الخمسة التي سبقت ذلك التاريخ. ويلاحظ الاقتصادي في "غولدمان ساكس" زاك باندل أن الولايات الاخرى لم تحقق نمواً مماثلاً في سوق العمل.

الزيت الصخري

وبالمقارنة العملية فإن الناس في ولايات الزيت الصخري المشار اليها والتي واجهت درجة أقل من احتمالات النمو قد يكون لديها من الأسباب ما يدفعها الى تقليص الانفاق بقدر يفوق رغبة الناس في أماكن اخرى لانفاق توفيرهم من أسعار البنزين المنخفضة. ويفسر هذا سبب عدم انفاق المستهلكين على مواد غير ذات صلة بالطاقة بشكل قوي كما كانت توقعات العديد من الاقتصاديين.

ولكن يبدو أن الأوضاع سوف تتحسن في الفترة المقبلة، وقد أظهرت معلومات صدرت عن مجلس الاحتياط الفدرالي في الأسبوع الماضي أن الهبوط الحاد في أنشطة الحفر شهد تحسناً في شهر يونيو، وبعد هبوط بأكثر من النصف في أول ستة أشهر من هذه السنة ارتفع عدد منصات الحفر في الولايات المتحدة الى معدلات ملائمة.

وقد تراجعت نسبة الاستغناء عن العمال في قطاع الطاقة في الآونة الأخيرة أيضاً. وبحسب تقديرات باندل من "غولدمان ساكس" فإن طلبات التأمين ضد البطالة في الولايات الخمس السالفة الذكر قد تراجعت بشكل لافت.

وهكذا – وفي الوقت الراهن على الأقل – فإن التأثير السلبي على الاقتصاد الناجم عن النفط يجب أن يتراجع خلال الشهور القليلة المقبلة ليسهم في تحسين النمو والأهم هو احتمال ان يبدأ المستهلكون بانفاق مزيد من اموالهم التي تمكنوا من توفيرها عن طريق هبوط أسعار البنزين. ثم إن الانتعاش الذي كان متوقعاً نتيجة هبوط أسعار النفط ولم يتحقق بعد لا يعني أنه لن يحدث على الاطلاق في المستقبل القريب.