كما هي العادة، فإن الذين لا يريدون الاعتراف لنظامِ ما بعد إسقاط "الإخوان المسلمين" في مصر بأيِّ إنجاز بادروا إلى تشويه إنجاز شق قناة السويس الثانية، والقول فيها أكثر مما قاله مالك في الخمر، وكل هذا مع أن المختصين الذين يعرفون حقائق الأمور يقولون إن هذا الذي جرى يعتبر أحد إنجازات القرن الحادي والعشرين، مثلما كان افتتاح قناة السويس الأولى عام 1869 أحد إنجازات القرن التاسع عشر على المستوى العالمي.

Ad

 هناك حملة "تبخيس" ضد هذا الإنجاز يشارك فيها الإخوان المسلمون في مصر وفي العالم كله، ويشارك فيها بعض الإعلام العربي وإعلام بعض الدول الإقليمية، وهذا الاستهداف موجَّهٌ في الأساس إلى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وإلى نظامه، وهنا فإن المفترض ألا يغيب عن البال أن هذه الحملة هي استكمال للحرب الإرهابية المسعورة التي تستهدف هذا البلد العربي لأنه تخلص بإرادة شعبه ورغبة أغلبيته من مرحلة ظلامية بائسة كان من الممكن أن تستمر عشرات الأعوام.

ولعل ما منْ الضروري أن يقال في هذا المجال هو أن هذه الحملة "الإخوانية"، كانت قد شنتها جماعة الإخوان المسلمين، إنْ في مصر وإنْ في العالم وإنْ في العديد من الدول العربية، على الرئيس المصري الأسبق جمال عبدالناصر بعد ذلك القرار التاريخي بتأميم قناة السويس عام 1956.

 في ذلك الحين قال الإخوان المسلمون الذين كانوا قد ارْتدّوا على تحالفهم مع عبدالناصر وحاولوا اغتياله عام 1954، إنه لا ضرورة لخطوة التأميم التي ترتبت عليها تلك الحرب الطاحنة على مصر، "العدوان الثلاثي"، التي شاركت فيها كل من بريطانيا وفرنسا إلى جانب إسرائيل، مادامت ملكية قناة السويس من المفترض أن تنتقل إلى مصر بعد نحو عشرة أعوام، أي عام 1967، وحقيقة فإن هذا كان خطأ فادحاً، وذلك لأن الخديوي إسماعيل كان قد باع كل ما تملكه مصر من أسهم في هذه القناة إلى بريطانيا بعشرين مليون جنيه إسترليني لسداد الديون التي تحملتها الخزينة المصرية التي كانت مفلسة أساساً بسبب المبالغة في الإنفاق على احتفالات الافتتاح المكلفة التي كان أصر عليها المالك الرئيسي فرْديناند ديليسيبس.

 ثم إن الإخوان المسلمين، إمعاناً في تزييف الحقائق وفي تشويه إنجازات الرئيس عبدالفتاح السيسي، قد ادعوا أن صاحب فكرة "قناة السويس الثانية" هو الرئيس المعزول محمد مرسي، وذلك مع أن هذا الرجل الذي باغته المنصب الرئاسي بدون أن يكون أهلاً له كان ينشغل بأموره اليومية الخاصة أكثر من انشغاله بقضية كهذه القضية الوطنية الكبرى.

 ربما أن الإخوان المسلمين، الذين تتلمذوا على ما خلّفه حسن البنا وما تركه لهم سيد قطب من أفكارٍ مشوهة شكلت القاعدة الرئيسية لكل هذا الإرهاب الذي ضرب هذه المنطقة ولا يزال يضربها، لا يعرفون أن الإنجازات الإستراتيجية الكبرى لا تتم من أجل الفترات الراهنة، وإنما للأجيال المقبلة، فقناة السويس الثانية هي مشروع مصر الإستراتيجي لهذا القرن والقرون المقبلة والهدف من "إنشائها" أساساً هو الأجيال المقبلة لا الجيل الحالي فقط.