الهند تتطلع إلى الخارج

نشر في 18-12-2015
آخر تحديث 18-12-2015 | 00:01
 بروجيكت سنديكيت ليس هناك اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، دولة منعزلة في جزيرة وحدها لإعادة صياغة ما قاله الشاعر جون دون، وقد أدركت الهند تلك الحقيقة فاندمجت اندماجاً كاملاً في الاقتصاد العالمي عن طريق التجارة في البضائع والخدمات، بالإضافة إلى تدفق رؤوس الأموال والتكنولوجيا والأفكار، وبالطبع فإن الأعداد الكبيرة المنتشرة من الهنود في الشتات تلعب دوراً فريداً في تقوية روابط الهند بالعالم.

تحتل الهند موقعاً خاصاً في هذا العالم، ففي حين تشعر العديد من البلدان، من اقتصادات متقدمة ونامية على السواء، بالقلق النفسي المتزايد حتى اليأس فإن الهند أصبحت منارة للأمل والتغيير الإيجابي والديناميكية الاقتصادية، فاستقر اقتصادنا وانخفض التضخم وأصبح سعر صرف الروبية ثابتاً، كما أن التزامنا بالانضباط المالي هو التزام قوي، ومن المتوقع أن يشهد النمو الاقتصادي، الذي يعتبر الأسرع بين الاقتصادات الرئيسية، المزيد من التطور، وعليه من غير المفاجئ أن يتدفق المستثمرون إلى أسواقنا.

ومع شعورنا بالفخر بإنجازاتنا فإننا ندرك أيضاً مسؤولياتنا، إذ أعلم أن الشعب الهندي قد أعطى الحكومة، التي أخدم فيها، تفويضاً للقيام بتغيير اقتصادي وإصلاحات سياسية جوهرية، ونحن بدورنا سنحترم هذا التفويض الذي يتطلب منا في عصر العولمة أن نحقق نمواً شاملاً في الداخل والمشاركة البناءة على المستوى العالمي.

وإن أحد الأسباب وراء التركيز على النمو الشامل هو أن الهنود اليوم مختلفون عن جيل فترة ما بعد الاستقلال، وبخلاف ذلك الجيل فإن الأغلبية الساحقة من الهنود اليوم– وحتى الأكثر فقراً- تعتبر نفسها من الطبقة المتوسطة، إذ إن هندي القرن الحادي والعشرين أصغر سناً مقارنة بأي مكان آخر في العالم تقريبا، كما يشعر بالثقة، والأهم من ذلك كله بالطموح، فالهنود اليوم الذين شهدوا تغيراً إيجابياً واختبروا حياة أفضل وحصلوا على فرص أوسع يطلبون المزيد وهم محقون في ذلك، والتحدي الذي يواجهنا هو تلبية توقعاتهم.

ولهذا السبب فإن النمو الشامل ليس تعويذة، لكنه ضرورة وجودية، فنحن بلد كبير وباختلافات عديدة في الطبقات واللغات والأديان، بالإضافة إلى العمر والجنس والآراء، وإن الاحتفاء بتلك الاختلافات والمحافظة عليها سيكون مصدراً للغنى الثقافي والأفكار الجديدة، لقد وجد الاقتصاديون أن مثل هذه المجتمعات غير المتجانسة تواجه تحديات أكبر في تعزيز النمو الاقتصادي والتنمية.

فهناك مجال أكبر للصراع السياسي الذي قد يهدد السعي إلى تحقيق التنمية الاقتصادية، وعندما يكون الناس مختلفين فهم يميلون إلى عدم الثقة ببعضهم؛ مما يزيد صعوبة حكمهم، وقد يؤدي إلى خيارات سياسية رديئة.

وإن تحقيق النمو الشامل سيشكل الأساس للمشاركة الهندية على المستوى الدولي، حيث تنتهي سنة 2015 بجهدين رئيسيين في ما يتعلق بالتعاون الدولي المتعدد الأطراف، هما مؤتمر تغير المناخ في باريس، ومفاوضات منظمة التجارة العالمية من أجل اختتام أجندة تنمية الدوحة في نيروبي، علما أن الهند تنوي أن تكون لاعباً بنّاءً في كلا الجهدين لأسباب ليس أقلها أن لدينا الكثير على المحك.

والفيضانات الأخيرة في ولاية تاميل نادو تذكرنا بأن الهند على وجه الخصوص معرضة للتغير المناخي، فقد بذلنا جهوداً كبيرة من أجل زيادة دور الطاقة المتجددة، وتسعير الكربون بشكل مباشر وغير مباشر، ودعم الاستثمارات العامة الصديقة للبيئة.

نحن ندعو الاقتصادات المتقدمة إلى اتخاذ إجراءات لتسعير الكربون، وهو أمر أصبح مهماً على وجه الخصوص في أعقاب الانخفاض الكبير في سعر النفط وغيره من أنواع الوقود الأحفوري الأخرى، وإن تعزيز الابتكار في التقنيات الصديقة للبيئة بما في ذلك الفحم الأخضر هو العامل الوحيد الذي سيمكننا من إحداث توازن بين الحاجة الملحة لتوفير الطاقة لمئات الملايين من البشر وبين الوصاية الجيدة على كوكبنا.

وتدرك الحكومة الهندية والشعب الهندي أن التجارة محرك للنمو ومصدر للفعالية والديناميكية، والمشاركة المتعددة الأطراف بين الدول هي أفضل طريقة للتحقق من بقاء الأسواق العالمية مفتوحة للجميع لا للقلة فقط، وعلى ذلك فالمحافظة على منظمة التجارة العالمية وتنشيطها يتطلبان اختتام جولة الدوحة بنجاح، وهدفنا هنا يتمثل في التحقق من حماية مصالحنا التنموية وخصوصا أرزاق ملايين المزارعين، ومن ثم وضع إطار لأجندة تتحقق لأن المشاركة المتعددة الأطراف بين الدول تؤدي دوراً حاسماً في المحافظة على الأسواق وفتحها في المستقبل لجميع الدول.

لقد قدم المهاتما غاندي، والد الأمة، أفضل وصف عن تمكن الهند من التعامل مع العالم، حيث تمنى "أن تهب جميع ثقافات الأرض على منزلي بأكبر قدر ممكن من الحرية، ولكنني أرفض أن تطيح بي أرضاً".

فنحن لا نريد أن ينعزل الاقتصاد الهندي من جميع الجهات أو أن نغلق نوافذنا، بل نريد أن تهب على البيت الهندي رياح التعلم والخبرة القادمة من الخارج ورؤوس الأموال الأجنبية والتكنولوجيا والريادة، وستتعامل الهند مع العالم بانفتاح، ولكن أيضاً بثقة بقيمنا وتاريخنا الغني والمستقبل الواعد فهي التي تحمينا من أن نطيح أرضاً.

* آرون جايتلي ، وزير المالية وشؤون الشركات والإعلام والبث في الهند.

"بروجيكت سنديكيت" بالاتفاق مع "الجريدة"

back to top