ما زال الخطر كامناً في جنوب آسيا
ذكّرتنا الاعتداءات المميتة الأخيرة على مستشفى دولي في أفغانستان بالحرب المريعة التي ما زالت رحاها تدور وبالأفغان المدنيين الواقعين وسط النيران، فقد أعلنت منظمة "أطباء بلا حدود"، وهي مجموعة محترمة عالمياً، أن مقتل 22 مريضاً وعاملاً في مستشفاها في ولاية قندوز "جريمة حرب"، ووعدت الولايات المتحدة بالتحقيق في ما وصفه الجنرال جون كامبل، قائد قوات حلف شمال الأطلسي في كابول، بالخطأ.وقع تفجير المستشفى في وقت تبحث فيه الولايات المتحدة بصمت في بعض الخيارات الدبلوماسية التي قد تحد من العنف في أفغانستان، أو ربما تخفض خطر دولة باكستانية نووية في الجوار، ولكن على غرار معظم المساعي الدبلوماسية في جنوب آسيا، تبدو هذه الاحتمالات "غير أكيدة" في أفضل الأحوال، إلا أنها تلقي ضوءاً على ما يحدث في هذا الجزء من العالم، الذي لا يحظى بأي اهتمام يُذكر هذه الأيام، لولا الكوارث الشبيهة بما حدث في قندوز.
أدركت الولايات المتحدة قبل أكثر من أربع سنوات أن الطريقة الفضلى للخروج من الصراع الأفغاني تعتمد على التسوية الدبلوماسية التي تشمل حركة طالبان ورعاتهم أحياناً في باكستان؛ لذلك يعقد مسؤولو وزارة الخارجية الأميركية محادثات سلام سرية متقطعة منذ عام 2011، لكن هذه الجهود لم تثمر بعد، كما يُظهر اعتداء طالبان الأخير في قندوز. لكن وتيرة المفاوضات تسارعت هذه السنة بفضل شراكة دبلوماسية أميركية مستبعدة مع الصين، فقد ذكر مسؤول بارز في الإدارة الأميركية أخيراً: "نأمل أن تكون حركة طالبان مستعدة لاستئناف المفاوضات"، رغم القتال الحاد في قندوز والمناطق الأخرى، لكن تدخل بكين يشكل "عاملاً مؤثراً جديداً" ويظهر محوراً "تتقاطع فيه المصالح الأميركية والصينية".شهدنا الجولة الأولى من المحادثات في أواخر شهر مايو في أورومتشي، عاصمة ولاية شينغيانغ في غرب الصين، وقد أشرفت الولايات المتحدة وباكستان على المحادثات التي دارت هناك بين الحكومة الأفغانية وممثلي طالبان، أما الجولة الثاني فجاءت في مطلع شهر يوليو في موري، بلدة سياحية باكستانية قرب إسلام أباد، ويشير خبر نُشر في صحيفة نيويورك تايمز إلى أن "الطرفين وافقا على التوصل إلى نهاية سلمية للصراع بالمشاركة في اجتماعات دورية". كان من المقرر عقد جولة ثالثة في مطلع شهر أغسطس في موري، لكنها فشلت بسبب تسريب من أفغانستان عن أن محمد عمر، زعيم طالبان المفترض، مات منذ سنتين، وبعد هذا الفاصل الوجيز، أصبح أختر محمد منصور زعيم طالبان، ويعتقد المسؤولون الأميركيون أنه شن الهجوم الأخير في أفغانستان ليرسخ سيطرته على المجموعة؛ لذلك ينتظرون بحذر إلى أن تتراجع أعمال العنف قبل استئناف المفاوضات. يدرس البيت الأبيض أيضاً ما قد يشكل انتصاراً دبلوماسياً كبيراً: احتمال فرض ضوابط وحدود جديدة على أسلحة باكستان النووية وأنظمة إيصالها، وقد يفتح هذا الاتفاق في النهاية الباب أمام نسخة باكستانية من الصفقة النووية المدنية التي عُقدت مع الهند عام 2005.يُعتبر الحوار النووي بالغ الأهمية لأنه سيبدأ بمعالجة ما اعتبره المسؤولون الأميركيون طوال العقدين الماضيين إحدى المشاكل الأمنية الأكثر خطورة في العالم، وذكر مصدر مطلع على المحادثات أن باكستان تلقت طلباً لتدرس ما دُعي "مكابح"، وقد توافق على الحد من برنامجها النووي للأسلحة وأنظمة الإيصال بما يتلاءم مع حاجاتها الدفاعية الفعلية في وجه الخطر النووي الهندي. على سبيل المثال، قد توافق باكستان على ألا تنشر صواريخ تتخطى مدى معيناً.مقابل اتفاق مماثل، يشير المصدر إلى أن الولايات المتحدة قد تدعم إعفاء باكستان في مجموعة الموردين النووية التي تضم 48 أمة وتشكل الولايات المتحدة أحد أعضائها، فبحضّ من الولايات المتحدة وافقت هذه المجموعة على إعفاء الهند من قواعد تحظر التجارة النووية مع دول لا تلتزم بمعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، فسمح ما دُعي "الاتفاق النووي المدني" للهند بالانضمام جزئياً إلى نادي القوى النووية مقابل تطبيقها تدابير الأمان التي تفرضها الوكالة الدولية للطاقة الذرية على برامجها المدنية. تعزز باكستان برنامجها النووي لذلك ستكون المفاوضات بطيئة وصعبة، ولا نعرف ما إذا كانت إسلام أباد ستقبل بالحدود المطلوبة، لكن هذه المسألة تُناقَش بهدوء في الفترة التي تسبق زيارة رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف إلى واشنطن في 22 أكتوبر، ولا شك أن أي تُقدم يُحرز سيكسر حالة الجمود القائمة منذ أن اكتشفت الولايات المتحدة برنامج باكستان النووي نحو منتصف ثمانينيات القرن الماضي، وخصوصاً بعد أن فجرت باكستان أول سلاح لها عام 1998.ربما نسيت الولايات المتحدة أفغانستان وباكستان، إلا أن هذين البلدين الكثيري الاضطرابات لم ينسيا الولايات المتحدة، وما زالت المخاطر كبيرة كما في السابق، شأنها في ذلك شأن الحاجة إلى مساع دبلوماسية ناشطة للحد من هذه المخاطر.* ديفيد إغناتيوس | David Ignatius