سيظل الباحثون يؤرخون لفيلم «ظهور الإسلام» بأنه أول فيلم ديني تنتجه السينما العربية.

Ad

 لكن أحداً لم يلتفت من قبل إلى أن منتجه ومخرجه إبراهيم عز الدين هو صاحب الفضل في ظهور ذلك الفيلم الذي يتربع على قائمة «الكلاسيكيات الدينية»، بعدما ابتاع حقوق تحويل قصة «الوعد الحق»، تأليف عميد الأدب العربي، إلى فيلم سينمائي كشفت عناوينه عن معلومات مثيرة بتأكيدها أن «طه حسين باشا» هو من كتب الحوار منفرداً وشارك في كتابة السيناريو مع المنتج/ المخرج.

قدَّم الأخير باقة من «الوجوه الجديدة» آنذاك هم: أحمد مظهر، الذي جسد شخصية عمرو بن هشام «أبو جهل»، كمال ياسين الذي جسد شخصية «ياسر بن عامر»، سعد أردش الذي أدى شخصية «صهيب»، بينما تكمن المفاجأة في توفيق الدقن، الذي جسد شخصية «خباب بن الأرت» أول من اعتنق الإسلام.

 أما الوجهان الجديدان: محمد سالم حسن «بلال بن رباح» وجمال حمدي «ابن مسعود»، فالمنتج/ المخرج تحمَّس لهما لكن لم يُكتب لهما النجاح، ومن ثم لم تقم لهما قائمة بعد ذلك!

الطريف أيضاً أن «الصوت المرافق للفيلم» أو {الراوية»، كما اصطلح على تسميته في ما بعد، كان للأستاذ أنور أحمد، الذي جسد شخصية مصطفى كامل في الفيلم الذي أخرجه أحمد بدرخان في العام 1952، بينما أشرف على المونتاج كمال الشيخ، وتولى الغناء مطربٌ يُدعى تمام محمد تمام!

تبدأ أحداث الفيلم، الذي أنتج في العام 1951، قبل الإسلام بعشرات السنين مع وصول ثلاثة فتيان من بني عنز باليمن في ثياب رثة إلى الكعبة للبحث عن شقيقهم الذي خرج إلى أرض الحجاز وانقطعت أخباره.

 لكن أحدهم «ياسر بن عامر» (كمال ياسين) يرفض العودة إلى دياره، ويؤثر البقاء في مكة بعد أن أصبح حليفاً للثري «أبو حذيفة بن المغيرة» (سراج منير) وانجذب لجاريته «سمية بنت خياط»  (كوكا) لكن الفتى يُثير ريبة «أبو حذيفة» بعد أن يسعى إلى صرفه عن عبادة الأصنام، ويشُككه في كونها آلهة، ما يدعو الأخير إلى القول بدهشة: «ما أرى إلا أني حالفت اليوم شيطاناً»!

بلاغة الحوار هي أبرز سمة في فيلم «ظهور الإسلام»،  فالفتى «ياسر بن عامر» يطلب يد الجارية من سيدها، فيخاطبه قائلاَ: «إن لي في هذه الدار حباً كنت أظن أني استطيع السلو عنه»، ولا يرفض «أبو حذيفة» طلبه فيصفه الفتى بأنه «فخر قريش وزينة العرب»!

مع البلاغة اللغوية، التي تؤكد أن د. طه حسين أبى إلا أن يترك بصمته على الفيلم المأخوذ عن قصته، يلجأ المخرج إبراهيم عز الدين إلى التكثيف والإيجاز السينمائي، فمع إغلاق الباب على الزوجين «ياسر» و{سمية» يعلق الراوية: «ومرت خمسة وثلاثون عاماَ»، ومع انقشاع الإظلام المعملي نرى صحن الدار وقد توسطها رجل كهل وامرأة عجوز يتضاحكان فيما يدخل عليهما شاب يافع نُدرك أنه ابنهما «عمَار بن ياسر» الذي يروي لهما قصة إعادة بناء الكعبة، واختلاف أهل قريش على من يكون له شرف وضع الحجر الأسود في مكانه، حتى كادت الحرب تنشب بينهم، قبل أن يتفقوا على أن يحكّموا في ما بينهم أول من يدخل من باب الصَّفا، فلما رأوا محمداً، وكان في الخامسة والثلاثين من عمره، أول من دخل قالوا: «هذا الأمين رضينا بحكمه».

 ولما قصّوا عليه قصَّتهم قال: «هلمَّ إليّ ثوباً» فأُتي به،  فنشره، وأخذ الحجر فوضعه بيده فيه ثم قال: «ليأخذ كبير كل قبيلة بطرف من أطراف هذا الثوب»، ففعلوا وحملوه جميعاً إلى ما يحاذي موضع الحجر من البناء، ثم تناول هو الحجرَ ووضعه في موضعه، وحُسم الخلاف.

 لكن عمرو بن هشام «أبو جهل» (أحمد مظهر) اتهم أهله القريشيين بالغفلة، وأن محمداً تلاعب بعقولهم، وانتزع لنفسه حق وضع الحجر الأسود بينما علت الفرحة وجهي «ياسر» و{سمية».

مع الموسيقى التصويرية، التي صاغها ببراعة إبراهيم حجاج، وسيطرت عليها آلات النفخ النحاسية والخشبية، لم يخل الفيلم من الأكليشيهات المعتادة، كالحانة التي يرتادها الكفار، ويملكها يوناني.

 لكن رصانة طه حسين أضفت على الحانة وقاراً، إذ تخلو من الرقص والمجون والعربدة، بينما اليوناني «نسطاس» يبشر «أبو جهل» بأن جماعة في بلاد الروم  يتبعها «ورقة بن نوفل» (عباس فارس) تنتظر خبر السماء القريب، الذي يقول إن نبياً سيهبط في واد لا زرع فيه يُشبه وادي مكة، ومع ظهور علامات النبوة، ونزول الوحي.

 يركز الفيلم على ملاحقة وتعذيب المسلمين السابقين إلى الإسلام، مثل «عمَار بن ياسر» ووالديه، وانتشار الدعوة،  مع بعض الرؤى الخيالية التي كشفت مهارة مدير التصوير والتر هولكمب، وجرأة المُغامر إبراهيم عز الدين، الذي لم يكرر التجربة!