ازدياد ثراء المسنين وفقر الشباب

نشر في 21-11-2015
آخر تحديث 21-11-2015 | 00:01
حرب الطبقات في المجتمعات قد تتحول إلى معركة ضد تفاوت الأجيال، وهذا شيء على السياسيين كبار السن التفكير فيه، كما أن إعادة النظر في الأنظمة الاجتماعية لمكافحة البطالة بين الشباب وإعطاء الأولوية للتعليم قد يكون خياراً أكثر أمناً من محاولة ضمان أصوات المتقاعدين.
 بلومبرغ • دعك من القول المأثور عن الماركسية بأن الأغنياء يزدادون غنى والفقراء يزدادون فقراً، فالانقسام الجديد يتمحور حول العمر، إذ إن المسنين يزدادون غنى والشباب يزدادون فقراً.

وقد أظهرت دراسة حديثة من جانب كارول غراهام وجوليت ريتز بوزويلو أن التحول في سعادة الحياة يبلغ حده الأدنى في وقت مبكر أكثر في الدول المتقدمة منه في الدول الأكثر فقراً، ففي المملكة المتحدة والدنمارك، على سبيل المثال، يحدث ذلك عند سن الرابعة والأربعين، وعندما يبلغ المرء السبعين من العمر يستعيد أولئك الأشخاص في تلك البلدان مشاعر السعادة، كما كان حالهم في حقبة الثلاثينيات، وتتحسن الأمور بقدر أكبر مع تقدمهم في العمر.

ويكمن العديد من الأسباب وراء ذلك، منها استعمال مضادات الاكتئاب والعمل في مرحلة متأخرة من الحياة الذي يتم بغرض المتعة أكثر من أي شيء آخر، ويقول أحد التفسيرات إن السبب يتمثل في ازدياد الانقسام في الثروة بين الأجيال، ويبدو ان الأمن المالي في المجتمعات المتقدمة يزداد مع التقدم في السن.

وقد وثقت بيا هوتل وكارن ويلسون وغنترام وولف هذه الظاهرة في ورقة صدرت أخيراً لصالح مركز التفكير بروغل الذي يتخذ من بروكسل مقراً له، إذ وجد هذا الفريق أن معدلات الحرمان المادي – التي يتم تحديدها في عدم القدرة على تحمل شراء أشياء تتجاوز المعدلات الأساسية – قد ازدادت بالنسبة الى الشباب في معظم الدول الأوروبية في الفترة ما بين سنة 2007 و2013، ولكنها انخفضت بالنسبة الى الأشخاص الذين تجاوزوا الخامسة والستين من العمر، ويرجع ذلك بشكل رئيسي الى ارتفاع معدلات البطالة بين الشبان، وعلى سبيل المثال فإن نسبة العاطلين عن العمل في الاتحاد الأوروبي في عام 2008 في سن يتراوح بين 15 – 24 بلغت 15.2 في المئة فقط، وفي عام 2013 وصلت معدلات البطالة بين الشباب الى ذروتها عند 23.7 في المئة، ثم هبطت الى 21.4 في المئة في نهاية سنة 2014 بحسب «يوروسات»، وتصل تلك النسبة الى أكثر من ضعف المعدل الاجمالي للقوة العاملة.

يذكر أن العثور على عمل كان دائماً أكثر صعوبة بالنسبة الى الشباب خلال فترات الركود الاقتصادي، ويرجع ذلك ببساطة الى أنهم أقل خبرة في العمل وفي طرق البحث عنه، كما أنه من الأسهل فقدان العمل لأن الوظائف بالنسبة الى هذه الشريحة تكون في الغالب عملاً اضافياً، ولذلك ليس مفاجئاً حقاً ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب، ولكن الجانب الأقل وضوحاً هو دور الحكومة في السياسة الذي يوسع الفجوة بين ثروات الأجيال، وخلال الركود الاقتصادي الأخير تم خفض البرامج التي يمكن ان تساعد الشباب بصورة عامة، بينما ازدادت برامج المتقدمين في العمر.

كان النمو في إنفاق معونات المسنين أسرع، حتى في دول مثل المملكة المتحدة، حيث ازداد الإنفاق على الرعاية الصحية ودعم العائلات في 2008 – 2013. ويقول الفريق السالف الذكر إن «المتقاعدين كانوا المستفيدين بشكل رئيسي من التعديلات المالية».

وفي العديد من الدول، حيث تم تطبيق اصلاحات التقاعد، كانت تميل لصالح المتقاعدين الحاليين بقدر يفوق متقاعدي المستقبل، ويعمل نظام تقاعد مماثل على إبقاء نسبة المعونات – وهي دخل المتقاعد الى مكاسب الفئة العاملة من السكان – مستقرة بمرور الوقت، كما عملت اليونان وإسبانيا وقبرص ورومانيا وهنغاريا على توجيه اصلاحاتها لخدمة الجيل الحالي من المتقاعدين، ومن بين الدول التي تضررت بشدة من الأزمة كانت ايطاليا الاستثناء الوحيد وجعلت نظامها التقاعدي أكثر انصافاً بالنسبة إلى شباب اليوم.

ويحصل المتقدمون في السن على فوائد أكثر من الحكومات، لأن تمثيلهم أكبر في ميدان السياسة، وفي ورقة نشرت في سنة 2010 أظهرت سوزان سكارو وبروكو جزغور أن نسبة أعضاء الأحزاب السياسية في أوروبا فوق سن الستين ازدادت منذ حقبة التسعينيات من القرن الماضي، وكانت في أغلب الأحيان غير تناسبية إزاء حصتهم من عدد السكان.

قد تكون مجرد مصادفة أن الدول التي تكون فيها عضوية الأحزاب السياسية من فئة الشباب تفوق المعدل العام للسكان مثل البرتغال واسبانيا واليونان تحتوي على أحزاب يسارية قادرة على الاخلال بالتوازن السياسي القائم، لكنني لا أظن ذلك، واليساريون الراديكاليون في تلك الدول هم من الشباب الأصغر سناً في العادة الذين لا يريدون ضياع جيلهم، وقد لا يعرفون بالضرورة كيفية الحيلولة دون ذلك ولكن جهودهم تظهر أن حرب الطبقات قد تتحول الى معركة ضد تفاوت الأجيال.

وهذا شيء يتعين على السياسيين الأكبر سناً التفكير فيه، كما أن اعادة النظر في الأنظمة الاجتماعية لمكافحة البطالة بين الشباب واعطاء الأولوية للتعليم وللعائلات الشابة قد يكون خياراً أكثر أمناً من محاولة ضمان أصوات المتقاعدين، لكن هذه العملية صعبة من الناحية النفسانية؛ فالأشخاص في متوسط العمر اليوم كانوا شباناً ويتذكرون تلك الأيام السعيدة، وعلى الرغم من ذلك فإن غياب الفرص يعزز التوجه نحو تعاطي المخدرات وأعمال الشغب والراديكالية في السياسة، كما أن ذلك يساعد على خلق مجالات ديمغرافية مثل التي تواجه اوروبا الآن، إذ يوجد اليوم أربعة عمال لكل متقاعد في الاتحاد الأوروبي، ولكن حسب توقعات اللجنة الأوروبية فإن سوف يهبط العدد الى اثنين فقط في سنة 2040.

* ليونيد بيرشيدسكي | Leonid Bershidsky

back to top