تقرير اقتصادي : إعادة تسعير الإيجارات... نقطة صغيرة في دائرة إصلاح الاقتصاد
• المطلوب حزمة كاملة محددة بفترة زمنية من 3 إلى 5 سنوات تراجع بشكل ربع سنوي
• ما يتم رصده من إيرادات يجب ألا يهدر في أوجه غير نافعة من المصروفات
• ما يتم رصده من إيرادات يجب ألا يهدر في أوجه غير نافعة من المصروفات
ليست الخطورة في العجز المالي، فهو عنصر متكرر في اقتصادات عدد كبير من الدول، بل الخطورة الحقيقية في آلية التعامل مع العجز أو لنقل في المعالجات غير المكتملة واقتصارها على قرارات متفرقة.
لا شك أن قرار مجلس الوزراء هذا الأسبوع بشأن إعادة تسعير إيجارات الأراضي الصناعية والتجارية والحرفية والخدمية كان من القرارات التي تصب في مصلحة رفع قيمة الإيرادات غير النفطية الممولة للميزانية العامة، وهو قرار جيد بكل تأكيد.إلا انه كان من الممكن ان يصبح هذا القرار اكثر جودة لو جاء ضمن خطة عامة تستهدف اصلاح الخلل في مصروفات الميزانية وايراداتها من حيث وضع خطة محددة بفترة زمنية تمتد من 3 الى 5 سنوات يتم من خلالها استهداف رفع ايرادات الدولة غير النفطية من 7 في المئة حاليا الى 30 في المئة او 40 في المئة على ان تتم مراجعة النتائج بشكل ربع سنوي لتوضيح مدى نجاح الخطة وضبط اي انحراف في مسارها، فضلا عن ضرورة عدم الاكتفاء بإصلاح الايرادات دون النظر الى الخلل الكبير في المصروفات التي يذهب نصفها لتغطية الرواتب والاجور وما في حكمهما، وهو امر يتطلب العمل بشكل سريع لتوفير فرص وسوق عمل خارج اطار القطاع العام لإعادة شيء من التوازن لمصلحة الميزانية.فرفع اسعار الايجارات رغم صحته لا يشكل أكثر من نقطة صغيرة في دائرة الاصلاح الاقتصادي الذي يتطلب اتخاذ قرارات ما بين قصيرة ومتوسطة الامد لتصحيح اوضاع تتعلق برفع نسبة القطاع الخاص الحقيقي والمنتج من الناتج المحلي الاجمالي وتغيير فلسفة الانفاق في الميزانية من الانفاق الاستهلاكي الى نظيره الاستثماري الى جانب استقطاب الاموال الاجنبية وتحفيز المحلية لتكون لدينا بيئة استثمار جاذبة تمكن الدولة من جباية الضريبة، فضلا عن خلق فرص العمل للشباب وغيرها كثير من المميزات.بيئة استثمارولعل كلمة او جملة السر «خلق بيئة استثمارية جاذبة» تعتبر أحد اهم التحديات التي تواجه الادارة الحكومية، فالتعامل مع العجز في الميزانية ليس بالضرورة ماليا بحتا، بل يرتبط بعناصر مهمة في الادارة العامة للدولة التي فشلت في اكثر من مناسبة في تحقيق ان تحول خططها الى واقع عملي.وهنا يمكن استذكار مشروع تحويل الكويت الى مركز مالي وتجاري الذي بدأ عام 2003 مع وعود بإنجاز المشروع كاملاً عام 2035، اي ان المركز التجاري والمالي سيحتاج الى 32 عاما، في حين اننا لم نر خلال 12 عاما سابقة الا تراجع المؤشرات التنافسية الخاصة بالمشروع! الخطورة ليست في العجز المالي فهو عنصر متكرر في اقتصادات عدد كبير من الدول، بل الخطورة الحقيقية في آلية التعامل مع العجز او لنقل في المعالجات غير المكتملة واقتصارها على قرارات متفرقة، فالاصلاح المالي جزء من عملية اصلاح إداري واقتصادي اكبر، وهنا يمكن التساؤل عن آليات معالجة الهدر المالي في القطاع العام لنعرف ان كانت الايرادات المحققة من رفع اسعار الايجارات والديزل وما سيتبعها من ايرادات اخرى اكبر ترتبط بالكهرباء والبنزين ستصب في اتجاه خدمة أحد اهداف الاقتصاد من حيث تنمية الايرادات غير النفطية ام انها ستتسرب في اتجاه الهدر المالي.ديوان المحاسبةفنظرة إلى تقارير ديوان المحاسبة عن الهدر المالي نجد ان معظم الجهات الحكومية المعنية شملت لجان تحقيق للنظر في المخالفات التي رصدها ديوان المحاسبة على وزاراتها والقطاعات التابعة لها، إلا أن معظمها حتى اليوم لم يصدر تقريره أو يحدد الأسباب التي أدت إلى حدوث وتكرار ملاحظات الديوان، وهنا يجب ان ننتبه الى ان ما يتم رصده من ايرادات يجب ضمان وجود آليات تمنع هدره في اوجه غير نافعة من المصروفات.يأتي الحديث عن الاصلاح الاقتصادي في ظل تدهور لافت في اسعار النفط الخام عالميا، مما يعني ان اي معالجات خاطئة او قاصرة ستكون آثارها على الاقتصاد وخيمة جدا، خصوصا اذا علمنا ان سعر برميل النفط الكويتي حسب اغلاق امس بلغ 47.71 دولاراً، مقتربا من سعر الاساس المقدر في الميزانية عند 45 دولارا للبرميل، مما ينذر بمزيد من التدهور في فرضيات العجز كلما تراجعت اسعار النفط اكثر في ظل سوق تزداد فيه التحديات بشكل يفوق قدرة المنتجين على التحكم في الأسعار وآليات السوق.«مقاضب الحكومة»مشكلة الحكومة في الكويت ان «مقاضبها» كثيرة، فهي إن ارادت ان تتعامل مع ملفات الدعم وتخفيض النفقات، بل وحتى اعادة هيكلة الميزانية ستفتح عليها بوابة جهنم من مختلف الاطراف، فالقطاع الخاص لن يقبل برفع الرسوم او دفع الضربية نظرا لضيق الفرص الاستثمارية ومحدودية الاقتصاد، والمواطن في المقابل لن يقبل المساس بأسعار الخدمات الاساسية كالكهرباء والبنزين في ظل عجز الدولة عن توفير السكن الخاص وما يتبعه من تضخم في اسعار الايجارات، بل ان اي قضية هدر مالي او فساد يمكن ان تجعل الحكومة تتراجع عشرات الخطوات عن مقاصدها وتنتظر ارتفاع اسعار النفط لسد العجز في الميزانية واخفاء العجز في الادارة.الاصلاح المالي يجب ألا يكون قرارا يتيما بل على شكل حزمة كاملة متنوعة المحاور، فيها جوانب ترتبط بإعادة تسعير الاراضي والخدمات وفقا لمبادئ العدالة الاجتماعية، وبما لا يخلق ضغوطا تضخمية واخرى تتعلق بربط إنفاق الميزانية على المشاريع بما يخدم تحقيق ايرادات غير نفطية، الى جانب خلق فرص عمل، فضلا عن طرح الفرص والمشاريع التي تجعل من الدولة جابية للضريبة، وهنا نستطيع ان نتحدث عن بداية حقيقية للاصلاح المالي والاقتصادي بما يحقق لنا وسادة مالية تمنعنا من الارتطام بحائط تراجع أسعار النفط.