هذه ليست المرة الأولى وقد لا تكون الأخيرة التي نتطرق فيها إلى أهمية تشكل اصطفاف سياسي جديد يقوم على أسس مدنية ديمقراطية، فمن المؤسف أن القوى المدنية الديمقراطية صاحبة المصلحة الفعلية في الإصلاح السياسي، والتغيير الديمقراطي، والتقدم الاجتماعي، غير مُشتركة في جبهة سياسية واحدة، وصوتها ما زال خافتاً، فضلا عن أنها لم تطور بعض أساليب عملها التي عفا عليها الزمن، ثم تطرح بديلها الوطني الجامع كي يلتفّ حوله الناس، وذلك على الرغم من أن الظروف الموضوعية جاهزة لطرح البديل المدني الديمقراطي العابر للهويات الثانوية (القبيلة، الطائفة، المنطقة) الذي لن تستطيع تقديمه أنظمة احتكار السلطة والثروة، أو قوى الإسلام السياسي، وذلك بحكم طبيعتهما المتناقضة مع طبيعة الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة، حيث المواطنة الدستورية المتساوية في الحقوق والواجبات، وحيث الحريات، والتعددية، وتداول السلطة، وفصل السلطات والعدالة الاجتماعية.

Ad

إن الاكتفاء بالرد على ما تطرحه أدوات منظومة الفساد السياسي المؤسسي أو وسائل إعلامه التي يتم تغيير أساليبها  باستمرار، أو الاكتفاء بنقد الأوضاع العامة وتسليط الضوء على مظاهر الفساد السياسي التي أصبحت لا تُعدّ ولا تُحصى، ثم الغوص في لجة التفاصيل اليومية التي لا تنتهي من دون طرح البديل الوطني الديمقراطي الواضح والصريح هو مضيعة للوقت والجهد، فالناس تبحث عن قوى سياسية وطنية تقدم لهم حلولا عملية وواقعية لمشاكلهم المعيشية والعامة، وتعالج حالة التراجع السياسي والديمقراطي والدوران المرهق في الحلقة المفرغة، وذلك من أجل ضمان العيش الكريم والأمن والسلم الاجتماعيين في الحاضر والمستقبل.

وبالرغم من وجود بعض العراقيل، والمشاكل، والعقبات التي تعترض مسألة إعادة الاصطفاف السياسي على برنامج مدني ديمقراطي تتطلبه المرحلة الحالية الحرجة، فإنه من السهولة بمكان تجاوز كل ذلك إذا ما توافرت الإرادة الوطنية وتم الأخذ في الاعتبار طبيعة التحديات الحالية والمستقبلية، والمرحلة السياسية وموازين القوى وما يتطلب كل ذلك من تضحيات وطنية واصطفافات سياسية تتجاوز عُقد الماضي، والمسائل الشكلية والتنظيمية الجامدة.

وغني عن البيان أن الاصطفاف السياسي المدني الديمقراطي الجديد والمطلوب في هذه المرحلة يختلف، كما سبق أن ذكرنا، اختلافاً كلياً عن الاصطفاف السياسي والاجتماعي العريض الذي تشكل في مرحلة ماضية وبشكل عفوي كحركة احتجاجية على انفراد الحكومة بتغيير النظام الانتخابي، ولكنه لم يتطور نتيجة لطبيعة فكر المجاميع السياسية والاجتماعية التي كانت تقود الحراك آنذاك وممارساتها، كي يصبح حركة سياسية مطلبية ببرنامج مدني ديمقراطي يمهد الطريق لبناء دولة مدنية حديثة، فما تم طرحه في ذلك الوقت تحت مسمى "ائتلاف المعارضة" كان يُعبّر، مثلما ذكرنا في حينه، عن رأي قوى الإسلام السياسي والمجاميع المحافظة بتشكيلاتهما المختلفة.