أوتار عائشة العبدالله

نشر في 04-10-2015
آخر تحديث 04-10-2015 | 00:01
 ناصر الظفيري "خمسة أوتار في يدي" العمل الشعري الأول الذي صدر العام الماضي للشاعرة الكويتية عائشة العبدالله كان مفاجأة حقيقية كعمل أول. والاحتفاء بالأعمال الأولى ليس مجانياً ولا تشجيعاً للكاتب أو الكاتبة كي نثني عليه وينتهي الأمر، بل هو إيمان حقيقي بأن الشاعرة لديها خط شعري متسق ومتوازن تسير عليه، وهو خط مبشر ينبئ بأننا سنرى ما هو أجمل في العمل الذي يليه.

وديوان عائشة العبدالله هو أحد هذه الأعمال، حيث رصدت فيه الشاعرة تجربة متزنة ذات نسق فكري واضح وموضوع وحد قصائدها تحت مظلة فلسفية مهمة في الشعر الحديث. وهي في ذلك تنضم لزميلات لها حملن فكرة الوحدة والعيش في إطار ذاتي، كالشاعرة العمانية فتحية الصقري، التي كرست عملها بشكل أكثر وضوحا لفكرة الوحدانية، وكذلك البحرينية وضحى المسجن.

وسبب ذكر هذه الأسماء ليس للمقارنة ولكن للتشابه في الطرح، خصوصاً أن الشاعرات الثلاث من منطقة جغرافية واحدة وثقافة خليجية متماثلة.

عائشة العبدالله تمتلك ناصية لغتها وهي الأداة الأكثر أهمية في تناول القصيدة، وكتجربة أولى تعتني الشاعرة بمفردتها اعتناء جميلاً، وتمتلك نفَساً شعريا يؤهلها كي تحافظ على وحدة فكرتها وخطها الدرامي الذي تسير عليه مجموعة القصائد، لتقترب مما يمكن أن يكون قصيدة واحدة في ديوان. والمبحث الأهم في قراءة ديوان عائشة هو سبب هذه الوحدانية التي انفصلت بها الشاعرة عن عالمها والتشابك معه مستخدمة سلاح الذاتية لمواجهته. هي في الوطن وروحها تتوق إلى غربة منفى، غربة تحقق لها هذه الوحدة

عكس الريح... عكس التيار

عكس عقارب الساعة...

أسير وقلبي...

مثل عابرين لا يبحثان عن وطن

بل عن منفى أقل غربة

أقل وحشة.

هذا الهروب من الواقع، أو أمنية الهروب من المحيط الذي لا تشعر معه الشاعرة بأي نوع من أنواع التماهي والمعايشة هو هروب إلى الداخل وليس بالضرورة رغبة حقيقية في المنفى ببعده المكاني. تكرر مفردات الوحشة والوحدة والمنفى يكاد يكون تعبيراً مباشراً عن حالة القلق التي تعيشها الشاعرة والخواء العاطفي والوجداني والانزواء الاجتماعي عن مجتمع لا تجد ذاتها قريبة منه أومتآلفة معه

العاشرة مساء

تعني ذلك الوشاح الذي يلوح به مهاجر

مودعا وطنه الوحيد.

تجربة عائشة العبدالله التي تتخذ ديوانا وحيدا تتكئ عليه تبدو تجربة أكبر من عمرها وأكثر نضوجاً مما هو متوقع، تأتي لا ينقصها إلا القليل في الجانب الفني والابتعاد عن الغنائية التي تعسف أحيانا المفردات تحت وطأة الحفاظ على الموسيقى على حساب الشعر، وهو ما يتخلص منه الشعر الحديث أو تخلص منه فعلاً. فهناك الكثير من الجمال لو دخلت عليه الموسيقى لأفقدته معناه

كل شيء فيك قابل للاتساع إلى آخر مدى

لماذا كنت وحدك أيها القلب فتحة الزر الضيقة

في أكمام الحياة؟أوتار عائشة العبدالله

back to top