هبط سعر خام برنت الى أدنى مستوى له في أحد عشر عاماً ليصل الى 36.20 دولاراً في الآونة الأخيرة، ويرجع ذلك في جزء منه الى توقف منظمة "أوبك" عن القيام بدورها، ما يعني نهاية تلك المنظمة، وهو تطور يستدعي الاحتفال والابتهاج ولكن من دون ضجة كبيرة.

Ad

وطبعاً لم تكن هذه المرة الأولى التي انخفضت فيها أسعار النفط بصورة مفاجئة، ولا المرة الأولى التي تتعثر فيها منظمة أوبك، وهكذا نحن نعرف بعض الأشياء التي يمكن لنا أن نتوقعها في هذا الصدد.

في الأجل القصير سوف يكون الجواب صريحاً وصادقاً بأن النفط الرخيص سوف يكون جيداً بالنسبة الى النمو في الدول المستهلكة وسيئاً بالنسبة الى المنتجين.

وقد تكون تلك الصورة أكثر تعقيداً بالنسبة الى الولايات المتحدة في هذه المرة، كما يقول دانييل يرغن وهو قطب في الطاقة حائز جائزة "بوليتزر"، لأنها تستورد اليوم حوالي ربع الكمية التي تستهلكها من النفط، ويشكل هذا انخفاضاً عن الكمية التي كانت تستهلكها في سنة 2005 والتي وصلت الى 60 في المئة، وذلك أيضاً قبل ظهور ثورة الزيت الصخري. وبالمثل فإن القسم الأكبر من نمو الوظائف في الولايات المتحدة خلال السنوات الأخيرة قد حدث نتيجة التوسع في صناعة الزيت الصخري التي تتعرض في الوقت الراهن للخطر بسبب هبوط أسعار النفط المستورد.

وحتى من دون هذا التغير يوجد سبب للتفكير بقوة في كيفية تطور هذا التحول المفاجئ في الثروة الناجم عن التقلب الحاد في سعر النفط بمرور الوقت، ولم تكن منظمة أوبك المنظم الجدي للأسعار بصورة تامة كما انها كانت في أغلب الأحيان غير فعالة وهي تسيطر اليوم على حوالي ثلث انتاج النفط وقد لا تكون مؤهلة لصفة الكارتل، ولكن الترتيبات التي تحقق بشكل فعلي مرونة في تقلبات سعر النفط سوف تكون مفيدة على الرغم من أن ذلك قد يفضي الى رفع السعر في الوقت الراهن على سبيل المثال. ويمكن تخيل ذلك عن طريق تشكيل كارتل "جيد" أو حكومات منضبطة بما يكفي لرفع أو خفض أسعار البنزين من أجل لمواجهة وتعويض تقلبات النفط، وقد يكون ذلك مجرد حلم ليس إلا.

وبالنسبة الى الدول المستهلكة للنفط تعمل أسعار النفط المنخفضة مثل تحقيق خفض في الضرائب بصورة مجانية ولكن ذلك يفضي أيضاً الى تقليص الاستثمارات في انتاج المستقبل. كما أن انفاق رأس المال على عمليات استخراج النفط يميل الى مواكبة سعر النفط بصورة وثيقة جداً.

 وعندما يعود الطلب على النفط أو في حال حدوث هزة في الامداد يمكن للتخمة أن تتحول بصورة مفاجئة الى نقص، كما يمكن أن ترتفع الأسعار بحدة، ما قد يفضي الى ركود اقتصادي. ولنتذكر سنة 1973 على سبيل المثال، ففي تلك السنة فرضت منظمة أوبك مقاطعة نفطية رداً على مشاركة الولايات المتحدة في حرب أكتوبر بين الدول العربية وإسرائيل وتضاعفت أسعار النفط أربع مرات، كما انخفض النمو السنوي في الولايات المتحدة الأميركية من 5.6 في المئة في سنة 1973 إلى 0.5 في المئة في سنة 1974، ويقول يرغن: "كان ذلك مثالاً دراماتيكياً، وعندما شهدت أسواق النفط تشدداً كان الطلب قوياً وحدثت أزمة أفضت الى ارتفاع كبير في الأسعار".

ثم هبطت أسعار النفط في حقبة الثمانينيات من القرن الماضي، وظلت متدنية لسنوات وغيرت الشهية ازاء التوقعات والاستثمارات، وفي سنة 2003 حث المستثمرون شركات النفط على ممارسة ما دعوه الانضباط في رأس المال وكانوا يقولون: "لا تستثمروا بقوة وشدة لأن سعر برميل النفط سوف يهبط الى العشرين دولاراً بصورة دائمة"، ثم ارتفعت الأسعار بصورة كبيرة في العام التالي، وكان ذلك بسبب قيام الناس بالاستثمار على أساس سعر العشرين دولاراً، وأعقب ذلك ارتفاع في الطلب نتيجة النمو الثنائي الرقم في الصين.

وقد توقعت شركة آي اتش اس الاستشارية التي يعمل يرغن نائباً للرئيس فيها أن تستثمر شركات النفط في شتى أنحاء العالم ما يصل إلى 600 مليار أقل في تطوير انتاج جديد في الفترة ما بين سنة 2015 و2020، وبقدر يقل عن توقعاتها في سنة 2014، وقبل أن تبدأ أسعار النفط بالهبوط.

وسوف يكون هذا جيداً بالنسبة إلى سياسة تغير المناخ لو ان كل الاستثمارات السابقة تحولت الى مصادر الطاقة المتجددة، ولكنها لن تتحول على الأرجح، ولذلك فإن استمرار الانخفاض في سعر النفط لفترة طويلة والاستثمار في النفط عرضة الآن الى أخطار متشابهة.

من جهة أخرى، وبالنسبة إلى الدول المنتجة للنفط والتي يعتمد العديد منها بشدة على عوائد النفط، فإن هبوط الأسعار يعرقل الوضع الاقتصادي فيها ويفضي الى تقليص الميزانيات وقد يتسبب في احداث حالة من عدم الاستقرار السياسي. وعندما تكون تلك الدول معادية للولايات المتحدة، كما هو الحال بالنسبة الى روسيا وايران أو فنزويلا في الوقت الراهن، فإن ذلك قد يشكل سبباً آخر للابتهاج (وبعد كل شيء فإن السعر المتدني للنفط أسهم في انهيار الاتحاد السوفياتي السابق) ولكن الأمور لا تسير على هذا النحو الجيد دائماً.

وعلى سبيل المثال، فإن الانكماش في سعر النفط في حقبة الثمانينيات من القرن الماضي كان احد الأسباب وراء غزو العراق لدولة الكويت مع كل ما أفضى اليه من تداعيات منذ ذلك الوقت بالنسبة الى الاستقرار الاقليمي وخسائر الولايات المتحدة المادية والبشرية، وقد أنهى صدام حسين حربه مع ايران التي استمرت من سنة 1980 الى 1988 وهو مدين بحوالي 37 مليار دولار (وتقول بعض التقديرات إن الرقم كان أعلى كثيراً من ذلك) للكويت ودول الخليج الأخرى. وحتى اليوم فإن العراق يحقق 93 في المئة من ميزانيته من عوائد النفط، ولذلك عندما هبط سعر النفط من أكثر من 100 دولار للبرميل ثم استقر عند أقل من 40 دولاراً بحلول منتصف الثمانينيات من القرن الماضي تأثرت الحكومة العراقية بشدة.

 وكما يقول يرغن في كتابه بعنوان "السعي والمطلب"، فإن صدام حسين استدعى السفير الأميركي قبل أسبوع من غزو الكويت ليشتكي من أن الكويت كانت تضخ الكثير من النفط ما دفع الأسعار العالمية الى الهبوط، ومن خلال قيامه بغزو الكويت كان يهدف ضمن أشياء اخرى الى شطب جزء من تلك الديون وتأمين مصادر دخل جديدة ثم تحويل العراق الى دولة نفطية كبيرة مثل السعودية.

وتأثر اقتصاد فنزويلا كذلك بهبوط اسعار النفط وقد انكمش بحدة ثم استقر طوال عقد من الزمن وافضى الى مصاعب اقتصادية شملت معظم سكان البلاد، ويعتبر الرئيس الفنزويلي الراحل هيغو تشافيز أحد المستفيدين من الارتفاع الطويل في سعر النفط الذي اعقب انتخابه في سنة 1999، مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى حد كبير الذي وصل الى السلطة في الوقت ذاته، ولكن بحسب يرغن فإن الانهيار الآخر في سعر النفط في سنة 1998 هو الذي مهد لانتخاب تشافيز.

 والسؤال هو: على من يجب أن نقلق اليوم؟ علينا أن نقلق على العراق من جديد، وقد حذر صندوق النقد الدولي خلال الصيف الماضي الذي يتسم بهشاشة وضعه السياسي من أن العراق يواجه خطرين وجوديين هما تنظيم داعش وهبوط أسعار النفط.

وقد تمكنت روسيا من التكيف بصورة نسبية عن طريق السماح بهبوط الروبل مع انخفاض سعر النفط ما مكنها من الحفاظ على التمويل العام بصورة واسعة، ولكن في حال استمرار سعر البرميل عند 40 دولاراً أو أقل من ذلك لعدة سنوات قد لا يكون ذلك كافياً. ومن الصعب التنبؤ بطريقة فلاديمير بوتين – الذي حقق نجاحاً كبيراً في تعضيد الدعم السياسي له في وجه الضعف الاقتصادي الذي أعقب هجومه على أوكرانيا – في الرد على التردي الاقتصادي في روسيا.

ونيجيريا التي يبلغ عدد سكانها حوالي 180 مليون نسمة تكافح ايضاً في مواجهة تمرد ارهابي من قبل منظمة تدعى "بوكو حرام" وقد تضررت بشدة حيث تشكل الطاقة 35 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي و90 في المئة من الصادرات، وقد طلب الرئيس النيجيري محمدو بحيري من البرلمان قبل أيام تبني ميزانية تزيد 20 في المئة عن ميزانية العام الماضي، بغية تحفيز الاقتصاد في بلاده، وحتى اذا كانت تلك سياسة ذكية فإنها بالمثل إشارة على اليأس والإحباط.

قد تكون منظمة "أوبك" في طريقها إلى نهاية دورها وهي المنظمة الثالثة النفطية العالمية التي سعت إلى السيطرة على امدادات النفط وتحديد سعره.

مارك تشامبيون - Marc Champion