«البابطين»: مسؤوليتنا محاربة الإرهاب وحماية اللاجئين

في مشهد يومي بأن العالم أرسل وفوده اجتماعاً على منبر السلام، بدأت فعاليات الدورة الـ15 لمؤسسة عبدالعزيز البابطين الثقافية التي تقام بالتعاون مع مركز حوار الحضارات بالأمم المتحدة وجامعة أكسفورد البريطانية تحت شعار «عالمنا واحد... والتحديات أمامنا مشتركة»، بحضور عدد من المسؤولين والرؤساء والأكاديميين والفاعلين في المجال السياسي والثقافي وحقوق الإنسان، منهم نائب رئيس جامعة أكسفورد نيكولاس رولينز، والرئيس التركي السابق عبدالله غول، ونائبة الأمين العام لجامعة الدول العربية سامية بيبرس، ووزير الثقافة الأذربيجاني أبوالفاس غراييف، والمفوض السامي لتحالف الحضارات ناصر النصر، وممثل بابا الفاتيكان أنطونيو مانيني، ومسؤول منتدى أصيلة الثقافي محمد بن عيسى وغيرهم.

تناولت كلمات افتتاح فعاليات الدورة الـ15 «عالمنا واحد... والتحديات أمامنا مشتركة» الذي تنظمه مؤسسة البابطين محاور عدة، بدءا من مبادئ السلام ووضع اللاجئين والمؤسسات الدولية ودورها، إضافة إلى قضايا البيئة والتنمية البشرية ومشكلات الفقر والإرهاب والتعصب ومستقبل الشعوب في العالم.

وافتتح كلمات الندوة رئيس جامعة اكسفورد نيكولاس رولينز، الذي أكد أهمية التبادل الثقافي بين الحضارات والأمم المختلفة، وأثنى على الجهود العربية والدولية التي تدعم السلام والتسامح بين الثقافات، شاكرا مؤسسة عبدالعزيز البابطين على مبادرتها المميزة في هذا الجانب.

ثم تحدث ناصر النصر المفوض السامي لحوار الحضارات التابع للأمم المتحدة، والذي تناول موضوع الشراكة بين المؤسسة والأمم المتحدة في حوار الحضارات.

وتحدثت ممثلة الأمين العام لجامعة الدول العربية السفيرة سامية بيبرس التي أكدت أن نتائج العولمة حملت الجوانب الإيجابية وآثارها، والتحديات التي تحاصر المنطقة العربية كالإرهاب والعنف وعدم المساواة وانعدام العدالة والتهجير العرقي والتفرقة العنصرية.

مبادئ السلام

 وتناول ممثل بابا الفاتيكان أنطونيو مانيني، في كلمته، أهمية تعزيز مبادئ السلام في الأديان والتعايش بين البشر، وضرورة حل مشكلات الهجرة والتحديات الإقليمية، وضرورة الجمع بين البشر وتأييد التضامن في ما يؤكد العدالة والمساواة.

 أما وزير الثقافة الأذربيجاني أبوالفاس غراييف فقد شدد على مهمة الدول في تقديم الأمن والسلام لشعوبها، خاصة في الوضع الراهن الذي يواجه الكثير من الكوارث على المستوى الإنساني، وضرورة جسر الهوة بين الثقافات المختلفة في العالم، مشيرا إلى دور التكنولوجيا الذي أسهم في تغيير وجه العالم من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وإيصال كلمات الشعوب وقضاياها.

 أما رئيس تركيا السابق عبدالله غول، فركز في كلمته على أهمية الجهود الدولية والإنسانية التي تسعف الكوارث الإنسانية المحيطة، وأضاف: يسعدني أن أرى المنظمات التي تهتم بالدراسات والحوارات الناشطة في التواصل مع العالم لحل مشكلات التي تواجهنا، وخاصة التي تتعلق بالشباب واللاجئين والتطوير الحضاري والبيئة، وأكد ضرورة التحدث عن المشكلات التي تواجه العالم الإسلامي بكثير من الشفافية والمصداقية التي توصل إلى عالم أكثر تفاهما.

 وفي كلمته؛ تحدث رئيس مؤسسة عبد العزيز البابطين الثقافية الذي رحب بالحضور، وقال إن من الجميل أن تقام دورتنا هذه في أعرق جامعات العالم، مؤكدا أن ما يصدمنا الآن هو انقسام العالم والشرق والغرب، وحتى الآن نعاني منها.

قارب واحد

وأشار البابطين الى أن العالم أجمع في قارب واحد، مشيرا إلى أنه من أجل مستقبل باهر يتمتع الجميع فيه بالعيش والسلام فإن اجتماعنا اليوم من أجل هذا المفهوم ومحاولات تحقيقه.

وقال إننا نجتمع والحروب حولنا، التي تسعى إلى تدمير العالم ونتج عنها ما تراه من إرهاب، ودعا الدول والأمم المتحدة إلى أن تقوم بدورها تجاه الإرهاب ونهاية الحروب، والاهتمام بقضية اللاجئين وتكريمهم والسماح بالهجرة الرسمية.

وأعلن بعد ذلك إصدار المؤسسة مجموعة من الكتب بثلاث لغات، توثق مشوار سمو الأمير وإنجازاته، ومع نهاية الكلمة تم إعلان تكريم المؤسسة لهذا العام، ومنحت الدور الـ15 شجرة البابطين للحوار الإنساني، تكريما لسمو أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد، بمناسبة منح سموه لقب قائد العمل الإنساني، وقد أصدرت المؤسسة كتابا يتناول مآثر ومسيرة سموه حفظه الله، وكرمت المؤسسة المفكر نعوم تشوميسكي، تقديرا لفكره البارز وجهده الأكاديمي والتواصل بين الثقافات، ومنحه مركز البابطين لحوار الحضارات شعار المركز الذهبي.

وتابع البابطين: يسعدنا أن ينعقد هذا اللقاء في رحاب جامعة عريقة هي جامعة «أكسفورد» التي جعلت من المعرفة وتثميرها، وإتاحتها لكل مغرم بها هدفها السامي.

عالمنا واحد

ويسعدنا أن نجتمع من بلدان شتى ومن قوميات متعددة، ومن أديان ومذاهب مختلفة في ظل عنوان جامع هو «عالمنا واحد»، وهو الهدف الذي أشارت إليه الآية الكريمة «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى»، تذكيرا بالأصل الواحد الذي يجمع بني البشر كلهم.

وأردف: «وإذ نطل من موقعنا ومن حاضرنا هذا على التاريخ الإنساني، يصدمنا مدى الانقسامات التي عانت منها البشرية، الانقسام بين مؤمن وكافر، والانقسام بين أحرار وعبيد، والانقسام بين مستعمِر ومستعمَر، والانقسام بين شرق وغرب، هذه الانقسامات التي شرخت وحدة الإنسانية وأججت من الحروب والأحقاد ولانزال نعاني ذكرياتها المريرة».

وقال: «ومازلنا في يومنا هذا نشكو من انقسامات بين دول غنية، ودول فقيرة، وبين دول متقدمة ودول متخلفة، وبين شمال وجنوب، وهذه الانقسامات إذا استمرت فسيتجرع الجميع ثمارها المرة».

الحضور الكريم: ينبغي أن ندرك أننا جميعا في قارب واحد، وأن مصيرنا مشترك، إما أن ننجو معا وننعم بالسلام والرفاهية، وإما أن نعاني كلنا من وطأة التشتت والتناحر.

وأمام الفضاءات المفتوحة لم تعد هناك حدود مغلقة، ولا حوادث منعزلة، فما يحدث في أي بقعة من أرضنا سيتتابع صداه ليقرع أسماع الجميع، وليهز الجدران كل الجدران مهما بدت راسخة، ولا يفكر أحد أنه بمنأى عن هموم الآخرين ومشاكلهم، فأي آهة تنطلق في أي زاوية من الأرض إذا لم تجد من ينصفها فستتحول إلى آهات، وتتناثر جراثيمها ومواجعها لتعم الجميع.

ومن أجل مستقبلٍ خالٍ من الانقسام... مستقبلٍ معافى من أمراض التعصب والانغلاق، والكراهية... مستقبلٍ يعيش الناس فيه سواء في ظل عدالة لا تنخرم، وقانون لا يحابي... مستقبلٍ يتمتع فيه الجميع بالحرية والكرامة والمستوى اللائق في العيش... مستقبلٍ ليس فيه خنادق، ولا أسلاك شائكة، ولا ألغام... من أجل هذا المستقبل الذي يليق بالإنسان نجتمع اليوم وسلاحنا الوحيد الكلمة الصادقة، الكلمة النبيلة التي تنطلق من القلب، لتخاطب ضمير الإنسان.

وفي هذا اللقاء نجدد ونؤكد هذه الثوابت التي تحتاج إلى تعميمها لتكون قيما يؤمن بها الجميع، نجتمع والعالم يعاني موجة من الإرهاب لا مثيل لها، ومن حروب أهلية مدمرة، ومن موجات من اللاجئين تغمر العالم.

الإرهاب لا دين له

إن الإرهاب لا دين له، وهو يستغل التمييز وانعدام العدالة لتكون حواجز له، وإن كان هذا لا يبرر وجوده، وهذه الحروب الأهلية التي لا تسعى الدول الكبرى إلى إيقافها ارتدت أمواجُ المهاجرين من وطأتها لتغمر شواطئ البلدان التي ظنت أنها بمنأى عنها.

إن من مسؤوليتنا أن نحاصر الإرهاب، وأن نجفف منابعه، وأن نتعامل مع جذوره لا مع ثماره، وأن تتعاون الأمم المتحدة والدول الكبرى لإيقاف هذه الحروب المدمرة، وأن تسهم جميع الدول في توفير الملجأ والمأمن والحياة الكريمة للاجئين، وأن تكون طرق اللجوء مشروعة بدلا من الطرق السرية المهلكة.

من تقاليد مؤسستنا في مثل هذه اللقاءات تكريم الرموز الإنسانية التي منحت البشرية في عسرها يسرا، وفي حلكتها نبراسا، وفي ضيقها فرجا.

ويسعدنا أن نكرِّم في هذا اللقاء فارسا من فرسان العطاء على مستوى العالم هو سمو أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الذي كرَّمه المجتمع الدولي من خلال الأمم المتحدة وأمينها العام بان كي مون بلقب قائد العمل الإنساني، والمؤسسة تعتز بأن تضيف إلى هذا التكريم الدولي الاحتفاء في هذا اللقاء بسمو الأمير في رأس قائمة مكرميها، فهو الذي ارتقى بالعمل الخيري من الإطار الوطني المحدود إلى الإطار الإنساني العام، وهو الذي جعل من العطاء واجبا تفرضه الأخوة الإنسانية والوازع الديني، وهو من أصبح بعطائه اللامحدود قدوة لشعبه الذي وجد سعادته في تخفيف آلام الآخرين.

وتكريما لسمو الأمير الشيخ صباح الأحمد فقد أصدرت المؤسسة كتابا تذكاريا بلغات ثلاث: العربية والإنكليزية والفرنسية، ليوثق عطاءات سمو الأمير ونزعاته الإنسانية، وكذلك عطاءات الشعب الكويتي.