الأزمة الاقتصادية الرأسمالية والترتيبات السياسية الجديدة

نشر في 26-10-2015
آخر تحديث 26-10-2015 | 00:03
تداعيات عديدة خلفتها الأزمة الاقتصادية على سياسات الدول الرأسمالية الاحتكارية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، من سحب جيوشها، وعرقلة نجاح الصين وتغيير السياسة تجاه إيران، فضلاً عن خلق صراع سياسي محتدم في المنطقة العربية، وهو ما قد يلقي بانعكاسات سلبية على دول مجلس «التعاون»، الأمر الذي يتطلب تماسكها وصلابة جبهتها الداخلية.
 د. بدر الديحاني مازالت الأزمة الاقتصادية الرأسمالية التي تفجرت عام 2008 تلقي بظلالها الثقيلة والكئيبة على الاقتصاد العالمي، وإن بدرجات متفاوتة من دولة إلى أخرى، وهو الأمر الذي انعكس على السياسات الخارجية للدول الرأسمالية الاحتكارية مثل الولايات المتحدة الأميركية التي لم تعد قادرة على تمويل جيوشها المنتشرة حول العالم، وحاملات طائراتها الراسية بالقرب من الدول التابعة لسيطرتها ونفوذها، فقررت سحبها على مراحل مثلما حصل مع قواتها البرية في العراق ودول المنطقة، كما سحبت مؤخراً حاملة الطائرات "ثيودور روزفلت" التي كانت راسية في مياه الخليج منذ عام 2007.

علاوة على ذلك، فإن أميركا وحلفاءها الغربيين بعد الأزمة الاقتصادية الرأسمالية وتقدم الصين اقتصادياً يُركزون جهودهم على عرقلة نجاح الصين ووقف تمددها في دول جنوب شرق آسيا، فضلاً عن اضطرارهم إلى تغيير سياساتهم الخارجية تجاه إيران، وهو ما أنتج الاتفاق النووي بين أميركا وأوروبا من جهة وإيران من الجهة الأخرى، والترتيبات السياسية اللاحقة، مع العلم أن أميركا كانت، ولعقود طويلة، تُطلق على إيران مُسمّى "الدولة الداعمة للإرهاب في العالم"، ولكن المصالح الاقتصادية لها الأولوية دائماً، فهي التي توجه سياسات الدول، ومن المرجح أن تصبح إيران خلال السنوات القليلة القادمة قوة إقليمية مؤثرة، وأحد أكبر المراكز التجارية والسياحية في المنطقة، وهو ما يسيل له لعاب الشركات العالمية الكبرى العابرة للحدود القومية، حيث بدأت من الآن حفلات التوقيع على صفقات تجارية ضخمة، خصوصاً أن لدى إيران نفطاً وسوقاً واسعة، وعمالة رخيصة. وفي المقابل فإن إيران ذاتها تستهدف توسيع نفوذها في المنطقة، ورفع العقوبات الاقتصادية يساعدها على ذلك، لأنها تعاني معدلاتِ بطالة عالية وأزمة اقتصادية طاحنة.

الأزمة الاقتصادية الرأسمالية أدت أيضاً إلى صراع سياسي دولي محتدم في منطقتنا العربية بين قوى الرأسمالية الاحتكارية، ومن ضمنها روسيا، من أجل الخروج من أزمتها الاقتصادية وبسط نفوذها وسيطرتها، حتى لو أدى ذلك إلى نشوب حروب جديدة بينها قد تختلف من ناحية الشكل فقط عن الحروب التقليدية، أو إلى تدخل مباشر في شؤون دول المنطقة، أي احتلال، كما فعلت روسيا مؤخراً في سورية، ومثلما فعلت أميركا من قبل عندما احتلت العراق عام 2003، وعملت على تفتيته داخلياً، ثم سلمته إلى قوى طائفية موالية لإيران فساهمت في تفتيته، وزيادة دماره، وتخلفه على المستويات كافة. صراع قوى الرأسمالية المعولمة في منطقتنا من المتوقع أن يترتب عليه تقسيم الدول الوطنية القائمة حالياً، وتحويلها إلى دويلات طائفية، وعرقية، وإثنية صغيرة ومتحاربة، وهو ما نرى بعض بوادره في سورية هذه الأيام، ومن المرجح أن يمتد، في حال نجاحه، كي يشمل العراق أيضاً وبعض الدول الأخرى في المنطقة.

أخيراً وليس آخراً، فإن الترتيبات السياسية الجديدة في المنطقة الناتجة عن الأزمة الاقتصادية الرأسمالية سيكون لها انعكاسات سلبية على دول مجلس التعاون الخليجي، وهو الأمر الذي يتطلب صلابة الجبهات الداخلية وتماسكها عن طريق توسيع قاعدة المشاركة الشعبية في صنع السياسات واتخاذ القرارات.

back to top