عاصفة فكرية
مشاكل العالم العربي، رغم مرارتها، ليست مستعصية على التشخيص السليم أو الحلول العملية، وأدوات النجاح متاحة حتماً، ولكن ينقصها القرار الشجاع وتمكين المخلصين من أبناء هذا الوطن الكبير من المشاركة في صنع هذا القرار ومساندته والرقابة عليه.
تحالف «عاصفة الفكر» خطوة جريئة، وفي توقيت مناسب أطلقها مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية في أبوظبي كردة فعل عملية على تدهور الأوضاع العربية على أكثر من صعيد، وفي سابقة تضاف إلى سجل مركز الإمارات المبدع دائماً.وتتلخص تلك الخطوة في الدعوة إلى بناء تحالف بين مختلف مراكز البحوث والدراسات السياسية والاستراتيجية العربية لإطلاق عاصفة فكرية وثقافية لتشخيص وتحليل مجمل الأمراض المزمنة والمشاكل المتراكمة في العالم العربي التي بلغت حد تهديد وجود الكثير منها، سيما بعدما انفجرت التركة الثقيلة من التخلف التنموي مؤخراً على شكل الاحتقانات المذهبية والعرقية وتفشي ظواهر وتطبيقات التطرف انتهاءً بصور عديدة من الإرهاب والحروب الأهلية.
ندوة أبوظبي كانت بمثابة باكورة التحرك الفكري العربي وتحديد المفاهيم العامة وتشخيص أمهات المشاكل، على أن تتبعها لقاءات دورية متتالية في عدة عواصم عربية لطرح الحلول وتدشين قواعد جديدة لتعزيز مفهوم الأمن الوطني الشامل وترسيخ قيم الانتماء وثقافة التسامح والمواطنة والمشاركة الشعبية ومواجهة أخطار التطرف والإرهاب، وبالطبع فإن من أهم متطلبات إصلاح هذه القواعد العامة إعادة بناء فلسفة التعليم والثقافة المجتمعية ومشاريع التنمية والاستثمار الحقيقي في المورد البشري والتكامل الاقتصادي. هذه المتطلبات، رغم أهميتها القصوى والحاجة الفورية إلى تبنيها، ليست بالمستحيلة أو الصعبة أمام معطيات العولمة المعاصرة والتجارب الباهرة للعديد من الدول والأقاليم حول العالم، والوطن العربي اليوم يعاني اختلالاتٍ مخيفة ومتناقضة توجب العمل الفردي والجماعي المشارك.إن العالم العربي، وهو مصدر العلم والمعرفة تاريخياً، يعاني أميةً مخزية متفشية تشمل 50 مليون مواطناً، والعالم العربي كأحد أغنى الأقاليم في الكون من حيث الثروات الطبيعية تصل نسبة الفقر بين شعوبه إلى 25 في المئة، بينما حالة الحرمان تصل إلى 45 في المئة، والعالم العربي الذي يعد أكبر ترسانة عسكرية في العالم من حيث الإنفاق العسكري وعدد الجيوش، إذ بلغ حجم ما أنفقته الدول العربية منذ عام 1991 على السلاح أكثر من 3 تريليونات دولار، يستشعر الخطر ويتوسل للحماية الأجنبية، وتحتل أراضيه ميليشيات مسلحة من بضع مئات خلال ساعات قليلة!هذه المشاكل، رغم مرارتها، ليست مستعصية على التشخيص السليم أو الحلول العملية، وأدوات النجاح متاحة حتماً، ولكن ينقصها القرار الشجاع وتمكين المخلصين من أبناء هذا الوطن الكبير من المشاركة في صنع هذا القرار ومساندته والرقابة عليه، وأول متطلبات هذا النجاح أن تكون للنخب المثقفة والنزيهة كلمة شجاعة تقابلها شجاعة ونزاهة من لدن الحكومات في احترامها والعمل بها، وكما قال ستيف جوبز (العربي الأصل) ومخترع الآي فون، الذي غيّر وجه العالم: «من غير المنطقي أن نوظف الأذكياء ثم نخبرهم بما عليهم أن يفعلوا، نحن نوظف الأذكياء لكي يخبرونا بما علينا أن نفعله»، ويبقى السؤال إذاً هل تتوفر هاتان الشجاعتان؟!