آخر العام، أول العام

نشر في 30-12-2015
آخر تحديث 30-12-2015 | 00:01
 طالب الرفاعي في ظل أوضاع العالم المتسارعة على مختلف الصعد، يكون التنبّؤ بما هو آت ضرباً من التخرص حتى في أكثر المجتمعات استقراراً وأمناً. فما بالك بقراءة طالع الأيام والشهور المقبلة في بقاع وطننا العربي الكبير. قد تبدو عبارة «وطننا العربي الكبير» بالنسبة لأجيال من الناشئة والشباب العربي بلا أي معنى، منفصلة عن الواقع وبعيدة عن التحقق على المدى المنظور، لكن، بالنسبة لشخص مثلي ينتمي لجيل تربى حالماً بوطن عربي واحد، فمازالت تلك الأمنية الغالية تستقر متكئة على زاوية أثيرة في قلبه.

عام مثقل بأحداثه يزحف ليأتي على آخر أيامه، طاوياً معه أحداث سنة بمرها الكثير وحلوها النادر، ليختبئ في منعطف الزمن متوارياً خلف اللحظة المقبلة، تاركاً خلفه صورة في ألبوم أو جملة معلقة على ورقة القلب والخاطر.

آخر العام فرصة سانحة لأن يقف كل منا أمام نفسه، يحسب مكاسبه ويحصي أوجاعه. بعضنا الأكبر يجعل من حياته الخاصة مرآة لتقييم موسم وحصاد السنة الفائتة، ويرمي الحدث العام بظلاله على الحياة الخاصة لبعض آخر، في حين يفرض الحدث العام نفسه ليكون الأهم في حياة قسم ثالث، فمشاركته في صناعة ومعايشة الحدث العام تُعدّان محركاً لحياته الخاصة، ومقياساً لرضاه عن نفسه.

نعم لي حياتي الخاصة مع أسرتي ومحيط أصدقائي وعملي، لكن لا أظنها منفصلة عن أحداث وطني الصغير الكويت، ولا هي ببعيدة عن مجريات الحدث الدائر على ساحة وطني العربي الكبير، وهي أيضاً ليست بنائية عن الحدث الإنساني العالمي. صغر العالم حتى صار بين أيادي من يريد معرفة عوالمه. وجنّدت مواقع الإنترنت، ومحركات البحث، وشبكات التواصل الاجتماعي نفسها، لكل من ينشد معرفة أو علماً أو فناً أو وصلاً فضائياً حميماً مع الآخر، وأينما كان ذلك الآخر.

المحطات الفضائية الإخبارية تنشر على مدار الساعة مشاهد العنف والقتل والدمار، ليظهر الإنسان بوصفه العدو الأول والأكثر شراسة في مواجهة أخيه الإنسان. وحشية الحيوانات تبدو ضئيلة أمام جبروت الإنسان، وتتوارى خجلاً أمام وحشيته في التنكيل بأخيه الإنسان، وللأسف فإن نصيب أوطاننا العربية الغالية من القتل والتدمير كان النصيب الأوفر. فما يحصل في سورية وليبيا واليمن والعراق وربما السودان وغيرها من الدول العربية يبعث المرارة في النفس، ويثير تساؤلاً مخيفاً: إلى أين تسير هذه المجتمعات العربية؟

عام آخر من أعمارنا يطوي سجادته بما عليها من ذكريات قلوبنا ويهم بالرحيل، في حين يستيقظ عام آخر ليأخذ مكانه بيننا. بعد غد الجمعة سنبدأ بكتابة 2016، معلنين انتماءنا إلى اللحظة العابرة.

في أول أيام السنة الماضية، وفي مطلع صباحها الأول قابلت عامل النظافة عند باب بيتي، فبادرته بالقول: «كل عام وأنت بخير»، رد عليَّ بحس لوحه البرد: «صباح الخير»، خلته لم يفهم تهنئتي، فأعدت عليه؛ «سنة جديدة»، رفع إليَّ وجهاً لوحه التعب وبعث: «كل الأيام تشبه بعضها بعضا»، ولأنه وبحس إنساني عفوي شعر باستعدادي لسماع ما يقول أكمل: «لا شيء جديدا، سأبقى في الشارع نفسه وأمام أكياس القمامة السوداء نفسها»، وقفت حائراً لا أدري كيف أردّ عليه، وربما لأنه شعر بوقع كلماته عليَّ، رمى بجملته: «كل عام وأنتَ بخير»، وابتعد يسحب مكنسته خلفه، في حين بقيت في وقفتي أشيّعه بنظراتي حتى اختفى خلف المنعطف.

أمور كثيرة طيبة عطّرت لحظات سنتي المنسحبة، وشيء من الأماني الغالية تحقق لي وسعدت واستبشرت نفسي وأسرتي وأصدقائي له، وكما أنا دائماً، وبالرغم من كل شيء، سأبقى متفائلاً، أعمل كل ما في طاقتي مراهناً على اللحظة المقبلة، فوحدها تحمل السر والمفاجأة الغالية.

سنة خير جديدة للجميع... آمين

back to top