مارينا أبراموفيتش تواجه الألم في «بيروت آرت فير»
يقدِّم معرض {بيروت آرت فير} بدورته السادسة، ولأول مرة، أعمال الفنانة المعاصرة العالمية مارينا أبراموفيتش (Marina Abramoviç). وهي فنانة صربية معروفة بتناولها العلاقة بين الأداء والجمهور، بالتركيز على حدود الجسد وإمكانات العقل في آن.
في مشاركة أولى لها في {بيروت آرت فير}، تكشف صالة العرض اليونانية Kappatos الستارة عن كثير من أشرطة الفيديو العائدة إلى الفنانة مارينا أبراموفيتش في جناح مكرّس للفنون الرقمية (Virtual/Reality). كذلك ستُعرض إبداعات لفنانين معاصرين دوليين وفنانين يونايين ناشئين. من خلال فيديو {تكريم لسانت تريزا}، تشيد أبراموفيتش بجدها (الذي اغتيل)، وخصوصاً بشخصية جدتها، وقد صوَّرت في مطابخ إسبانية موجودة في مبانٍ قديمة تضمّ دوراً للأيتام كانت خاضعة لنظام فرانكو.
{لطالما كانت صورة البطلة في عقولنا مأساوية، إلا أنّي أودّ أن أقصّ عليكم رواية فريدة من نوعها ورائعة أحبها كثيراً، إنّها قصّة القديسة الإسبانية تيريزا من مدينة آفيلا. في مذكراتها، تروي المرّات الكثيرة التي دخلت فيها بحالة ارتفاع، وتروي أنّه عند ارتفاعها طوال اليوم في الكنيسة، تعود إلى منزلها متضوّرة جوعاً فتبادر إلى تحضير الحساء إلا أنّها لا تعود قادرة على أن تسيطر على القوة الإلهية، فترتفع وتبدأ بتأمل الحساء يحترق بلا حول ولا قوة}. تقول الفنانة التي تتعرَّض أعمالها غالباً للإنسان عموماً كاشفة جوانب ربما لا نراها أو نتغافل عنها. وهي إذ تتناول موضوع المرأة تحكي عن المعاناة التي تمر بها والتضحيات الكثيرة التي ما انفكت تقوم بها لأجل الآخر.من خلال عملها Balkan Baroque الذي عرض في بينالي البندقية عام 1997، تندد أبراموفيتش بالمجازر التي ارتكبت خلال الحروب اليوغسلافية. وتشرح: {ما أقوم به لا يمتّ إلى الماسوشية بصلة. إذ ينبغي عرض ذلك بمثابة مرآة تقدَّم للجمهور. أضع بعض المشاهد المؤلمة وألتمس طاقة الجمهور لأتخطى خوفي. فيعتبر ذلك وسيلة لإعلام الناس أنّهم قادرون على تخطي ذلك مثلي. كذلك فإن مواجهة الألم شيء قديم جداً عرفناه منذ زمن بعيد في الطقوس الأصلية، حيث يتعلم المرء السيطرة على الوجع الجسدي للتحرّر منه}.ويعرف كثيرون تجربة مارينا أبراموفيتش سنة 1974، وهي أرادت أن تتعرَّف من خلالها أكثر إلى تصرفاتنا إذ مُنحنا حرية القرار من دون شرط. وقفت لمدة ست ساعات متواصلة بلا حراك، متيحة للجمهور أن يفعل ما يشاء بها، بعدما وفَّرت له سكاكين، ومسدساً، وورد وغيرها. جاء رد الفعل سلمياً في البداية، فاكتفى المشاهدون بالنظر إليها. لكنهم ما إن تأكدوا أنها لن تصدر أي فعل أو رد فعل حتى ظهرت العدوانية عليهم: مزَّقوا ملابسها، ضربوها، وتحرَّشوا بها. حتى إن أحدهم لم يتردد بتوجيه المسدس لقتلها.انتهت الساعات الست فتحرَّكت مارينا من مكانها بلا أي رد فعل عدواني تجاه أحد، مؤكدة أن البشر الذين نتعامل معهم، على اختلاف العرق والسن والخلفيات، قادرون على ارتكاب أفعال شنيعة، إن اتيحت لهم الفرصة.دليله دالياس بوزارمن تنظيم لور دوتفيل، باسكال أوديل، مارين بوغاران، ورانيا طبارة، يعرض «بيروت آرت فير» في السياق نفسه للفنانين المعاصرين دليله دالياس بوزار (Dalila Dalléas Bouzar) ومهدي مداشي (Mehdi Meddaci)، من خلال صالات عرض كاباتوس (Kappatos Gallery) وماميا بريتيسشيه (Galerie Mamia Bretesché) وأوديل ويزمان (Galerie Odile Ouizeman). ولدت دليله دالياس بوزار في الجزائر، وهي تعيش وتعمل في برلين. تُعرض أعمالها بشكل منتظم فيشكّل بعضها جزءاً من المجموعات العامة والخاصة، كالصندوق الإقليمي للفن المعاصر بمرسيليا، ومؤسسة البنك الدولي. وهي تمثِّل في المعرض صالة العرض الباريسية «ماميا بريتيسشيه» التي ستقدّم أيضاً فنانين من المغرب العربي.تقول دليلة دالياس بوزار: «التفسير الذي أقدّمه حول عملي يرتبط بأكمله بموضوع العنف. يبدو لي أنني أحاول تفهمه وتحويله من خلال الصور أو الشخصيات التي أقدمها. استخدم الوسائل المختلفة مثل الرسم والتركيب والتلوين أو حتّى فنّ الشوارع».تتابع: «استوحيت سلسلة رسومات «طبوغرافيا الإرهاب» التي تمثل الأماكن الداخلية، من تاريخ برلين ومن ذاكرة الأماكن العائدة للحرب العالمية الثانية. أما سلسلة «المحرمات» فتتألف من صور ذاتية تتحدَّث بطريقة واضحة عن علاقتي بتاريخ الفن وهويتي بين أفريقيا والغرب. إنني أتبع نهجاً مفتوحاً دائماً على الاكتشاف تحت طائلة العودة إلى نقطة البداية في بعض التقنيات والأدوات». مهدي مداشيوتقدم صالة عرض أوديل ويزمان عمل مهدي مداشي في الدورة السادسة من {بيروت آرت فير}. هو من مواليد مونتبلييه في العام 1980، يعيش ويعمل في باريس حيث اكتشف فن الفيديو والتركيب والتصوير الفوتوغرافي. حاز جائزة مؤسسة فرانسوا شنايدر ودخلت أعماله في مجموعاتالـ CNAP ونوفليز. يستوحي الفنان من شعوب مهاجرة يشارك تاريخها، مركزاً على منطقة البحر الأبيض المتوسط.وبيروت بالنسبة إلى مداشي {المدينة التي كان لا بد من أن يزورها كي يبتكر أو ليتردد في نفسه صدى ذكريات لم يستطع الحصول عليها، يستمدها من هذه الأرض أو الجدران المتشققة أو حتى شارع العاصمة الذي يتم اجتيازه بسرعة جنونية}.متعلقاً بهذا البحر بين أرضين، مسرح تاريخ عائلته، يعمل مهدي مداشي على فيديو شاعري وآسر مستعيناً بالمجال الفوتوغرافي والسينمائي. وفي سلسلة Les Yeux tournent autour du soleil، الفيديو خالٍ من الحوار، لصالح لغة الجسد والأشكال. فرغم وجود القضايا السياسية، فإنها لم تصادر الصورة بحسب الفنان، ما أتاح المجال أمام قصص فنية تشكيلية أخرى. وتشكّل قصة مهدي مداشي الشخصية وصوره الخيالية وتلك الراسخة في ذاكرته نقطة انطلاق كثير من أعماله. ففي فيديوهاته، نسمع مقتطفات عن القصص العائلية، ثم نتابع النظرات الموجّهة نحو مكان آخر خيالي، البلد الأم من خلال الأغراض والضجيج والروائح.• يُقام «بيروت آرت فير» من 17 إلى 20 سبتمبر المقبل في البيال ببيروت.