بدون حُبك... لا رائحة للبُن!

نشر في 20-08-2015
آخر تحديث 20-08-2015 | 00:01
 مسفر الدوسري لست حبيبتي فقط، أنت حبيبة شعري أيضاً، تجف أصابعي بدونك وتتيبّس، تصبح أعوادا جافة في عريشة عنب، تغيب عنها الشمس طويلاً فلا نور يخضبها ولا دفء يغزل لحافها، بدون حبك لا تصادق أصابعي العصافير، ولا تشرب الماء من غدران راحتي، ولا تلتقط حبات الزبيب منها!

تتحجّر الجداول وتشحّ الينابيع في صوتي، فأتوقّف عن الغناء... يختفي الريش من أجنحة الأغاني، وحدك من يغسل أجنحتها بدهن العود وطيب الزعفران، وحدك من يرعى كل ريشة فيها مذ تولد حتى تكبر، وحدك من يعلّمها كيف لا تنكسر، ووحدك من يخلق لها مساحة في الفضاء تتماهى مع لونها... بدون حبك... الأغاني أجنحة بلا ريش، والقلب مرسى بلا بحر.

لا سفن على حافته، ولا قوارب شراعية صغيرة تتهادى فيه، ولا زبَد موج، ولا بقايا أصداف على رمله، ولا عشب، ولا أسماك ملوّنة، ولا لؤلؤ أو حدائق مرجان، عُريُ قلبي من حبك، عريٌ من اللون الأزرق، وعريٌ من دفء الأحمر، وبهجة الوردي، وغواية البنفسجي، وفصاحة الأخضر، عُري قلبي من حبك، عريٌ من كل الألوان، سوى لون الجفاف، لا شجر تنبت في فيافيه، ولا روض يسكنه، ولا صوت رعاة، تتحاشى المرور به قوافل الخزامى، ويتجنّبه الحمَام، وتجافيه أسراب القطا، لا يعود قلبي بدون حبك صندوق مجوهرات خزفيا، ولا يضم زينة عروس، ولا يعود نبضه قادراً على صناعة حبات "الكهرمان" لمسبحة الصبر!

لا يصلح قلبي بدون حبك إلا "كمنشَر" غسيل، أو شماعة للعواطف الرثّة والبالية، ولا يستوطن برقٌ بصري، ولا يسكن المزن عيني، لا يغازل أجفانهما ليل فاتن، ولا سهرٌ شهيّ، ولا يكحلها سهدٌ محبب، ولا تقف الصباحات على شرفتهما، ولا تقرأ فاتحة الشذا عليهما من وراء الستائر، أو تلوّح لهما من خلف زجاج النوافذ، أو تمدّ لهما سلال الورد من الشبابيك، لا تعود عيناي قادرتين على رسم الصور أو تمييز خطوط ملامحها،

بدون حبك لا أرى، بدون حبك لا رائحة للبُنّ، ولا طعم لقهوة الصباح، ولا زخرفات الفناجين بعض من عباءة الصبح البيضاء والموشاة بالزهر... كيف لي أن أغري قصيدة بالجلوس على طاولة معي بدون فنجان قهوة ليس به نكهة حبك؟! كيف لي أن أدعو قصيدة لمرافقتي في طريق عار من خُضرتك؟! أو السفر في بحرٍ ليس جزءاً من عينيك؟! كيف للقصيدة أن تُمسك بيد لا تمسك أختها حرير كفيك؟! وكيف لحروفها أن تتهجأ اسماً لا يذاب به السكّر كأسمك؟! أو تتذوق طعم أنثى ليست مسكوبة من خوابي العسل كأنتِ؟! أدمَنَت طعمك القصائد... لم يعد يروي ظمأها سوى عذوبة مائك، ولا يدفئ جسدها سوى غطاء حنانك، ولا يشعل جمرها سوى شعلة ذكائك، ولا تجلس القرفصاء سوى على عتبة جمالك، يحبك شِعري ويعشقك، كحبي وعشقي لك، بدون حبك تجوع القصائد، ويقتلها الظمأ، وتدفنها السوافي هياكل عظمية في الباحة الخلفية لحنجرتي، لست حبيبتي فقط، أنتِ حبيبة شِعري أيضاً، لك يُولد، وبك يتنفّس، ومنك يعيش وربما يمسّه الخلد!

back to top