من المؤكد، أن شيعة الكويت ودول مجلس التعاون والعالم العربي، بحاجة ماسة إلى إعادة النظر في شعارات وأهداف كثيرة، وإلى نقد ذاتي ودراسة وافية للزمان والمكان، وإلا تحولوا إلى وقود للكثير من الصراعات والعمليات الإرهابية القادمة.
كيف ينبغي أن تكون استجابة المجتمع الكويتي إزاء الجريمة الإرهابية البشعة التي وقعت في جامع الإمام الصادق؟ وما الذي ينبغي أن تقوم به الحكومة والشيعة وسائر المجتمع؟لقد مرت بنا خلال العقود الثلاثة أو الأربعة الماضية موجات عالية من الشحن الطائفي، وغمرت حياتنا الإعلامية كتب ونشرات وأشرطة ورسائل وتغريدات قاتمة، توجت في النهاية بهذه العملية الإرهابية الدامية، ولكن هل يمكن توجيه كل ما جرى إلى تحول نوعي في الموقف الحكومي على كل صعيد، وفي نظرة أهل السنّة إلى المسألة الطائفية، وإلى تغيير شامل في الثقافة الشيعية الكويتية سياسيا ومذهبيا؟لا أريد أن تكون مثل هذه الاستجابة قائمة على الجريمة البشعة التي قتلت ودمرت، بل نريدها جميعا استجابة لكل ما برز فوراً للرد عليها بخطوات إيجابية عملية قضت في الواقع على ذيولها، ولا نريد أن تقع هذه الكارثة ثم تبهت ذكراها دون تأثير وتفاعل، ودون تحول كبير في العلاقات والروابط والرؤية المذهبية، إذ لا يعقل أن تستجيب الكويت حكومة وشعبا لمأساة مسجد الإمام الصادق، ويرتفع كل هذا الاستنكار والتعاطف إلى عنان السماء، وتسقط كل هذه الحواجز والجدران بين فئات وطوائف الكويت في خطوات تاريخية، ثم تعود العلاقات لتسبح في المدارات نفسها.غير أننا ينبغي ألا نبالغ في التفاؤل رغم كل هذا النجاح الهائل في تجاوز ذيول العملية وآثارها، والذي أراه أن ثمة خطوات ليست بالسهلة لتعزيز هذه المكاسب لابد أن تقوم بها الأطراف الثلاثة: الشيعة والسنّة والحكومة.ولو تحدثنا عن "الطرف الأول" لتساءلنا: ما الذي جعل الشيعة في مرمى كل هذه النيران الكثيفة خلال كل هذه السنوات، وعرضهم لكل هذا العداء والتكفير والتهديد من متشددي السنّة والإرهابيين وحتى بعض المعتدلين، عبر مختلف أجهزة الإعلام وأدوات التواصل؟ ومن المسؤول عن جر بعض الشيعة إلى استفزاز الآخرين بالتهجم على الصحابة مثلا والسيدة عائشة؟ وما الذي يمكن تحقيقه من هذا التجريح، حتى لو كانت استجابة لخطوات مماثلة من الطرف الآخر؟ ولماذا تأييد بعض السياسات التي تتبناها إيران أو حزب الله أو الحكومة السورية أو المعارضة البحرينية أو الحوثيون في اليمن؟ ولماذا لم يحاول الشيعة في كل الصراعات وبقدر المستطاع كسب الأصدقاء بدلا من تخويف حتى المحايدين إزاء الشيعة؟ وما مصلحة الشيعة في انتصار أو انهزام الحكومة السورية في صراعها مع المعارضة، كي تدخل هذه الطائفة في الكويت والخليج في صراع إعلامي ومذهبي مدمر مع الآخرين، وتقدم كل هذا التأييد لنظام سورية و"حزب الله"؟إن الشيعة كما قلنا مرارا أقلية بسيطة في العالم الإسلامي لا تتجاوز نسبتهم العُشر أو الخُمس من العدد الكلي، وهذه النسبة المتواضعة لا تستطيع قيادة العالم الإسلامي أو حتى الدفاع عن نفسها لفترة طويلة إن اختارت المشاكسة، كما هي الحال اليوم، نحن بانتظار اكتمال التحقيقات حول الجريمة، ولكن ما تصرح به الجهات الرسمية عنها مقلق جدا، فمن الواضح أن البعض بصدد الانتقام من الشيعة، وربما ضرب مراكز علمهم وعبادتهم، وربما كذلك اغتيال بعض شخصياتهم، فهذا ما هو رائج ومعروف للأسف في دول أخرى تعاني الصدامات الطائفية، ونحن لسنا منها لحسن الحظ حتى الآن! فالإرهاب ضد الشيعة في أحيان كثيرة كذلك مجرد مقدمة لإرهاب السنّة، فهذه الجماعات التكفيرية تعتبر نفسها الفرقة الناجية الوحيدة، ولكن استهداف الشيعة أسهل، وبخاصة إن كانت بعض مواقفهم السياسية وبعض ممارساتهم في مجال الإسلام أو التشيع السياسي، من لبنان وسورية إلى العراق والبلدان الخليجية على هذا المنوال المغرق في التحدي!لقد كان الأداء الحكومي والأجهزة الأمنية خلال الأيام العصيبة التي مرت بنا رائعا، ولا شك أنها بحاجة إلى أن تدرس مخاطر الإرهاب بعد الآن كخطر محدق باستقرار المجتمع الكويتي وأمنه، وأن تضع بالتعاون مع مختلف الجهات خطة لا تكتفي بالاستعداد الأمني وحده، إذ لا يزال البعض على مواقفه الطائفية والتكفيرية والإلغائية، ناهيك عمن يهدد ويتوعد من خارج الكويت، غير أن أغلبية الكويتيين أثبتوا أنهم فوق التأثر بالحملات الدعائية الطائفية وسمومها الإلكترونية، وقد عبرت هذه الأغلبية عن نقاء سريرتها وحبها الصادق لكل شرائح المجتمع، مما يدل حقا على درجة رفيعة من الوعي السياسي والإنساني.ومن المؤكد، ورغم كل هذه الإيجابيات، أن شيعة الكويت ودول مجلس التعاون والعالم العربي، بحاجة ماسة إلى إعادة النظر في شعارات وأهداف كثيرة، وإلى نقد ذاتي ودراسة وافية للزمان والمكان، وإلا تحولوا إلى وقود للكثير من الصراعات والعمليات الإرهابية القادمة، ففي الكويت خلايا إرهابية مغمضة العيون متغافية يقال إنها "خلايا نائمة" فلتتجنب الكويت النوم بعد اليوم!!
مقالات
لكي لا ننام .. بدلاً عن الخلايا!
09-07-2015