الفن والواقع والرسالة
الفن رسالة... كلمتان يرددهما عادة كل من يقدم فنا، حتى أولئك الذين يقدمون فنا هابطا أو دون المستوى. وبالتأكيد هم يقولون ذلك ليس سخرية أو استهزاء، ولكنهم يقصدون فعلا أن الفن الذي يقدمونه للجمهور هو فن هادف ويحمل رسالة ما للمجتمع.
أما اختلاف النقاد حول هذا الفن فهو في الطريقة التي تناول بها القائمون عليه إرسال رسالتهم للمجتمع. كثير من الأفكار تحمل هموما اجتماعية أو سياسية، وتم تشويه هذه الفكرة حين تم تناولها فنيا لأسباب عديدة؛ أهمها النص الأدبي وأداء الفنانين الذي يقدمون هذا النص. وفي حال ضعف هذين الجانبين لا يستطيع أي مخرج قدير معالجة العمل دراميا لدرجة الإقناع. الأعمال الدرامية التى يحتشد حاملو رسالة الفن على تقديمها في رمضان، مستغلين فرصة احتفاء الناس بأجهزة التلفزيون في هذا الشهر، هذه الأعمال في الأغلب ينقصها الكثير، بغضّ النظر عن الفكرة التى تطرحها. ينقصها نص جيد وحوار ممتع بعيدا عن كليشيهات الحوار التي تكررت مئات المرات من قبل، وكأن الكاتب يضع أمامه لائحة طويلة يختار منها تفاصيل حواره. وهي أقرب ما تكون لأعمال سابقة بالكاد يستطيع المتابع أن يميزها بغير الفكرة التي تطرحها، وهي الحالة الوحيدة المتغيرة، مقارنة ببقية معطيات العمل. حتى الممثلون الذين يقومون بالأدوار لا يجدون أي معاناة مع الشخصيات المكررة التي قاموا بأدائها. فالأم في رمضاننا هذا كانت أمّا في رمضان سابق، والأبناء هم الأبناء بمن فيهم طيبهم وشريرهم. العمل الذي أثار جدلا أكثر من غيره هذا العام هو عمل "سيلفي" لناصر القصبي، ربما في جرأة طرحه لفكرة الجهاد لدى دولة العراق والشام أو "داعش"، وهي فكرة تستحق - من دون شك - التناول، خصوصا في محاولة صد الهجرات الشبابية نحو اعتقاد يخالطه كثير من تشويه متعمد لمفهوم الدين. وقد أثارت ردة فعل "داعش" على القصبي اهتماما أكثر وتعاطفا جماهيريا، رغم أن جميع ما جاء من أحداث يعلنها "داعش" نفسه وتتناقلها شبكات التواصل الاجتماعي. ولأننا نتاول العمل بعيدا عن فكرته وردة الفعل على الممثل الأول والشخصية الأبرز فيه، فإننا لا نرى أي تطور في شخصية القصبي الفنية. وليس في العمل، بعيدا عن العنوان، أي مغايرة للشخصيات النمطية التي قدمها من قبل في سلسلة "طاش ما طاش". بمعنى: ما الذي كان سيختلف لو ترك القصبي عنوانه القديم عنوانا لعمله الجديد؟ لا شيء. كل معطيات العمل السابق وطريقة التفكير الفني والأداء واختلاف كتاب النصوص للحلقات جعلت القصبي حبيس مسلسله الأشهر ورهين أدائه النمطي السابق. طرح فكرة جديرة بالتناول هي فرصة أكبر لاستغلالها فنيا وطرحها بشكل عميق في عمل درامي مبني على نص جاد ومتكامل، حتى لا تضيع في سهولة التناول ونمطية الأداء. ناصر القصبي فنان مقتدر وصاحب كاريزما كوميدية، ومهمة الخروج من نمطية الأداء ليست صعبة إذا ما توافر له نص حقيقي متكامل. كنت أتمنى أن يقوم الزميل خلف الحربي بالتصدي لعمل متكامل، وهو كاتب ذكي خسرته القصة القصيرة التي كان أحد فرسانها، وكسبه العمل التلفزيوني بعيدا عن فكرة الأعمال السابقة التي تعاون فيها مع القصبي من قبل.