في شهر يوليو، أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما أنه "تشجع" من اتصال هاتفي تلقاه من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بغية مناقشة المسألة السورية، وذكر الرئيس بثقة أن الروس "يشعرون أن نظام الأسد بدأ يخسر سيطرته على مساحات متزايدة من الأراضي"، وأنهم "يقدمون لنا فرصة التحاور معهم بجدية"، ولا تُعتبر هذه المرة الأولى التي يفترض فيها الرئيس أوباما أن من الممكن الاعتماد على بوتين للتوصل إلى تسوية دبلوماسية للحرب الأهلية السورية تتوافق مع الخطوط التي تدعمها واشنطن وحلفاؤها العرب، ولا تُعتبر هذه المرة الأولى التي يسيء فيها الرئيس على نحو فادح قراءة الحاكم الروسي.

Ad

تحاول موسكو، التي لا تزال بعيدة كل البعد عن التخلي عن دعمها لنظام الأسد، مضاعفة رهانها، وتشير تقارير عدة إلى أن روسيا تقيم قاعدة في حقل جوي قرب معقل الأسد على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وقد تقدمت بطلب عبور طائراتها العسكرية في مجال الدول المجاورة الجوي، ويعتقد المحللون أن روسيا تستعد لنشر 1000 جندي أو أكثر في سورية وتنفيذ عمليات جوية دعماً لقوات الأسد، وسبق أن أفاد الثوار السوريون أنهم رأوا طائرات روسية فوق مناطق خاضعة لسيطرتهم.

لا شك أن هذه المعلومات خطيرة جداً، مما دفع بوزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى الاتصال بوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قبل أيام، وإلى إصدار بيان ذكر فيه أنه يحذر من أن أي أعمال روسية "قد تفاقم الصراع وخطر المواجهة" مع الائتلاف الذي تقوده الولايات المتحدة في الحرب ضد "داعش".

لكن استراتيجية بوتين في سورية ظلت دوماً ثابتة، فقد سعى منذ البداية إلى عرقلة أي خطوة تدعمها الولايات المتحدة لإزالة بشار الأسد من السلطة، وعمل على إرغام الغرب على القبول بالنظام السوري كشريك في محاربة "داعش"، وأعلن بوتين قبل أيام أن خطته للانتقال السياسي في سورية، بما فيها الانتخابات النيابية وتشكيل الحكومة الائتلافية مع فصائل المعارضة "السلمية"، حظيت بدعم الأسد الكامل، ولا شك أن هذا يطلعنا على كل ما نود معرفته.

بالاستعداد لنشر القوات البرية والجوية في سورية، يقر بوتين بحقيقة رفض أوباما الاعتراف بها: لا يكون لأي أجندة سياسية بشأن مستقبل سورية أي معنى، ما لم تحظَ بدعم قوات على الأرض، ولن يرحل الأسد كما توقع أوباما وكما يصر طوال السنوات الأربع الأخيرة، إلا إذا جعل ميزان القوى العسكرية انتصار المعارضة محتماً ووشيكاً، وإذا قدمت الولايات المتحدة دعماً ولو متواضعاً للثوار السوريين، كما وعد أوباما من دون أن يفي بوعده (أو حتى وعد الكثير من مستشاريه بمقدار أكبر من الدعم الفعلي)، فلن تخاطر موسكو على الأرجح بجنودها وطائراتها.

في الوقت الراهن يعتقد بوتين على الأرجح أن ضعف الولايات المتحدة يمنحه فرصة إمالة كفة الميزان العسكري لمصلحة نظام الأسد مجدداً، ولكن كما ورد في بيان كيري ستكون النتيجة "خسائر أكبر في الأرواح البريئة" وتنامي تدفق اللاجئين، إلا أن موسكو، على غرار دمشق، لن تقتنع بخطاب الولايات المتحدة؛ لذلك إذا رغب بوتين في أن تتفوق رؤية الولايات المتحدة على رؤية روسيا، فعليك القيام بما يتخطى الاتصال الهاتفي.