دخل المعلم إلى فصله ومعه زجاجة مملوءة بالحليب، وضعها أمامه على الطاولة، فتعلقت أبصار تلاميذه بزجاجة الحليب، وتساءلوا في أنفسهم: لماذا أحضر معلمهم زجاجة الحليب؟ وماذا سيفعل بها؟

Ad

وفجأة نهض المعلم من كرسيه وأطاح بزجاجة الحليب بظهر يده فوقعت على الأرض، وكُسرت وأريق ما فيها من حليب، وصاح المعلم «لا يبكِ أحدكم على ما فات»، ثم ناداهم واحداً واحداً ليتأملوا حطام الزجاجة والحليب المسكوب على الأرض، وجعل يقول لكل واحد منهم انظر جيداً، إنني أريدك أن تذكر هذا الدرس مدى حياتك، لقد ذهب هذا الحليب واستوعبته البالوعة، فمهما عملت فلن تستطيع إعادة قطرة واحدة من الحليب، كان بإمكانك بشيء من الحيطة والحذر أن تتلافى إراقة الحليب، ولكن لقد فات الوقت الآن، وكل ما تستطيع عمله هو أن تمحو أثره وتنساه، ثم تعود إلى عملك لتمارسه بهمة ونشاط.

درس عملي قام به المعلم أمام تلاميذه لكي يرسخ هذا الدرس في عقولهم ولا ينسوه مدى الحياة، وهو أن الحياة فيها مواقف وأحداث وذكريات سارة وحزينة، والتفكير في الماضي باسترجاع المواقف الحزينة والمؤلمة يصيب الإنسان بالهمّ والغمّ والزعل والغضب وارتفاع ضغط الدم والسكر و«عوار القلب»، وقد حذر الأطباء النفسانيون من ذلك.

لذا من رحمة الخالق بنا أن أنعم علينا بنعمة عظيمة وغالية، هي نعمة النسيان، ولولاها لكنا في مقبرة الصليبيخات أو صبحان منذ زمن، ولكي تنعم عزيزي القارئ بالطمأنينة وراحة البال، وتعيش في سعادة وهناء، فعليك بالحكمة الذهبية «لا تبكِ على ما فاتك».

آخر المقال:

قالوا في الأمثال: «اللي فات مات».