تدرّ تجارة نشر الكتب والتوزيع مليارات الدولارات في دول أوروبا وأميركا. وتزيّت هذه التجارة الرائجة بأزياء جديدة مع ثورة المعلومات ومحركات البحث ومواقع بيع الكتب الإلكترونية. ولقد كان لافتاً لي أثناء حضوري لورشة كتابة إبداعية جمعتني بكتّاب من مختلف دول العالم أن شكوى صعوبة النشر تتشابه بين الشرق والغرب. وأن الكاتب يعيش معاناة كبيرة في الوصول إلى الناشر، وتكبر هذه المعاناة وتتعقد إذا كان الكاتب في بداية مشواره، أو إذا طمح الكاتب لنشر عمله لدى دار نشر معروفة. ومما استوقفني في حواري مع الروائية الأميركية "مارلين روبنسون-Marilynne Robinson" الحائزة جائزة "بوليتزار- Pulitzer Prize" للرواية، تأكيدها لي صعوبة النشر للمرة الأولى لدى دار نشر معروفة، كما أكّدت شللية دوائر النقد، واستحالة اختراق هذه الدوائر، خاصة على الصفحات الأدبية الأهم للجرائد العالمية، كجريدة "نيويورك تايمز" أو الـ"واشنطن بوست"، وأن الكتابة عن أي منتج إبداعي مرتبطة بمافيا تجارة النشر والتوزيع.

سوق الكتاب والنشر في الوطن العربي متواضع جداً إذا ما عُقدت مقارنة بينه وبين سوق الكتاب والنشر الغربي، بل إن أساليب النشر وطبيعة العقود لدى الناشر العربي، وبالرغم من كل ما مسّ بعضها من تجدد بدخول الإنترنت والبريد الإلكتروني، ما زالت تقليدية وبسيطة، وهناك هوة كبيرة تفصل بينها وبين عقود وسوق النشر والتسويق في الغرب.

Ad

لقد تأصل لدى الغرب ما يُسمى بـ"الكاتب/الناشر-Authors Self-publish" حيث يلجأ الكاتب إلى شركة تجارية تعمل في مجال طباعة ونشر وتسويق الكتب. وهذه الشركة تقوم بمراجعة مخطوطته وطباعتها وتسويقها. مقابل مبلغ مالي موثّق بعقد- هذه الشركات التجارية التي يعمل بعضها في تجارة نشر وتسويق الكتب منذ ما يزيد على القرن من الزمن، اكتسبت في العقد الأخير دفقاً كبيراً. وصار التسويق عبر مواقع الإنترنت يشغل حيزاً كبيراً من تجارتها، إضافة إلى ما يُعرف بالتلبية عند الطلب، وذلك في طول وعرض المعمورة. عقود بالمليارات، وعناوين جديدة في مختلف العلوم والآداب الإنسانية، وحركة بيع وشراء لا تهدأ على مدار الساعة. خاصة ووجود مواقع التواصل الاجتماعي من جهة، ورغبة إنسانية كبيرة لدى فئات عريضة لنشر مذكراتهم الشخصية أو أي كتابة أدبية لديهم من جهة ثانية.

إن الدوائر الأدبية الغربية ودوائر النقد تميّز بين الطبع والنشر لدى "دار نشر أدبية-Traditional Publisher "، وبين "النشر الذاتي- Self Publisher" لدى شركة تجارية. ولأن عدداً كبيراً من الكتّاب العرب، وتحديداً فئة الشباب، صار يلجأ إلى الترجمة والناشر التجاري مقابل مبلغ مالي، بحثاً عن تسويق نفسه لدوائر القراءة العالمية، وهذا حق مشروع لا خلاف عليه. لكن، ما يجب التنبيه إليه هو وجود مخاطر للنشر التجاري. حيث إن الكثير من الحيلة والتحايل يُمارس باسمه، وحيث إن الكاتب العربي لا يقف بحكم خبرته الأدبية المغايرة على جميع بنود ومواد عقود النشر التجاري. وليس أقل من الإشارة إلى عدم توفّر الرقم المعياري في بعضها، وكذلك عدم ضمان الملكية الفكرية للمؤلف، وحقوق استغلال المنتج الأدبي في أي من الأعمال التلفزيونية أو السينمائية.

الكتابة ملجأ للإنسان، وفي عصر المعلومة العابرة للقارات، وعصر التواصل الإنساني الافتراضي، صار النشر رغبة ملحة لدى البعض. وتكسب هذه الرغبة مذاقاً مختلفاً حين يكون الكاتب أمام نشر كتابه الأول. وربما تضخمت هذه الرغبة أكثر بالنسبة للكاتب العربي، حين يتصور كتابه مطبوعاً باللغة الإنكليزية. لكن، ومع تأكيدنا على مشروعية النشر، فإننا نرى ضرورة التريث والتأكد من طبيعة الناشر الأجنبي. لأن عقوداً مزيفة مرت على الكثيرين، ومعها تبخرت وعود الناشر الغربي في الفضاء الافتراضي. ولم تكن تلك الأماني أكثر من حبرٍ على ورق.