بإمكان أيِّ مستهدِف للرئيس التركي رجب طيب إردوغان، الذي كان أعاد قبل أيام تدريس اللغة العربية في المدارس التركية، على أساس، كما قال، أن القرآن الكريم أُنزل في مكة و"المدينة" وطبع في القاهرة ويُقرأ في إسطنبول؛ بإمكانه أن يجد، وبسهولة، آلاف الحجج، وليس حجة واحدة، لشتمه وضربه ضرب غرائب الإبل، وللقولِ فيه أكثر بكثير مما قاله مالك في الخمر... ولكن أنْ يتهمهُ بالسعي لـ"تتريك" السوريين، الذين هربوا من قصف صواريخ ومدافع وبراميل بشار الأسد والنظام الإيراني وفلاديمير بوتين، ولجأوا إلى تركيا التي استقبلتهم "كثَّر الله خيرها" بالأحضان والترحاب وأمّنتهم من خوف وأطعمتهم من جوع، فذلك ما لا حجة عليه.كل الذين لجأوا إلى تركيا، وكل الأشقاء السوريين الذين لم يلجأوا إليها بعد، يتمنون لو أن الله يهدي رجب طيب إردوغان ويتكرم عليهم بإعطائهم جواز السفر التركي والجنسية التركية. كل هذا مع أنَّ أبناء سورية من أكثر العرب تمسكاً بوطنيتهم وأكثر العرب التزاماً بعروبتهم! لكن ما هو الخيار عندما يكون ليس أمامهم إلاّ الاستمرار في تحمل استبداد وقمع نظام بشار الأسد وحلفائه، أو الهروب إلى الدول القريبة والبعيدة؟!
إنه ليس بإمكان أي رئيس تركي، لا إردوغان ولا غيره، أن يلجأ إلى "تتريك" أكثر من مليوني سوري، فهذا غير ممكن في بلد بقي يطرق أبواب أوروبا لأكثر من نصف قرن لتقْبلَه عضواً أولاً في سوقها المشتركة، وثانياً في الاتحاد الأوروبي، وليحل أزماته الاقتصادية المتفاقمة، وليجد عملاً لخريجي الجامعات الذين باتوا يعيشون على الأرصفة لعدم استيعابهم في مؤسسات بلدهم، والذين غدوا مع الوقت يشكلون خطراً فعلياً على أمن تركيا، خاصة وقد أصبح هناك "داعش" و"القاعدة" والتنظيمات الإرهابية الأخرى، وازدادت النزعة الانشطارية لدى الأكراد-الأتراك الذين يقال إن عددهم بات يزيد على الستة عشر مليون نسمة. وهكذا فإن "التتريك" الذي تحدث عنه إردوغان هو إعطاء السوريين من ذوي أصحاب الأعمال والأموال الجنسية التركية؛ تشجيعاً لهم للمجيء إلى تركيا والبقاء فيها. والحقيقة أن هذا تفعله كل دول العالم، بما في ذلك الدول المتفوقة اقتصادياً وفي مقدمتها ألمانيا وبريطانيا وفرنسا... وأيضاً الولايات المتحدة الأميركية. ثم إنه غير صحيح على الإطلاق أن الثورة العربية الكبرى قد انطلقت في عام 1916 رداً على ما قام به ضباط "تركيا الفتاة" من محاولات لـ "تتريك" العرب، فهؤلاء الضباط لا يوجد بينهم ولا ضابط واحد من أصول عثمانية أو تركية من طلعت باشا إلى أنور باشا إلى البقية الباقية! وحقيقة أن هؤلاء كانوا يريدون إخراج العرب من "عثمانيتهم" و"تركيتهم" باستهدافهم والضغط المتواصل عليهم، وهذا هو ما عجل بثورة الحسين بن علي، وبخاصة بعد وجبات الإعدامات التي نفذها جمال باشا (السفاح) ضد العديد من الرموز والقيادات العربية. وهكذا، فإن ما يجب أن يقال هنا أيضاً هو أنَّ السلطان عبدالحميد الثاني قد تعرض إلى ما تعرض له العرب على أيدي هؤلاء الضباط الذين يقال إن من بينهم مصطفى كمال (أتاتورك)، والسبب هو أنه رفض إغراءات ثيودور هيرتزل وتمسك بالقدس والأقصى وفلسطين ولم يُعرف عنه أبداً أنه كان معادياً للمجموعات العربية في الدولة العثمانية.
أخر كلام
لا صحة لحكاية وكذبة «تتريك» إردوغان للسوريين
13-07-2016