البزاز لـ الجريدة•: إذا زادت أسعار الوقود... فأبشروا بالغلاء

نشر في 22-09-2015 | 00:04
آخر تحديث 22-09-2015 | 00:04
«إبقاء الدعم عامل أساسي في استقرار البلد اقتصادياً وسياسياً وأمنياً وتنموياً»
قال د. وليد البزاز إن "البعض يظن أن الاستمرار في دعم الوقود إحدى الظواهر السلبية، لأنه ينظر بمنظار واحد هو العامل الاقتصادي فقط"، مضيفا "إذا زاد سعر البنية التحتية مثل الوقود فأبشروا بغلاء الأسعار، ولدينا شاهد عيان هو ظاهرة ارتفاع أسعار السمك في الأسواق المحلية".

أعد الباحث العلمي المشارك في معهد الكويت لأبحاث البترول وخبير الطاقة د. وليد البزاز تقريراً خاصاً لـ"الجريدة" حول زيادة أسعار الوقود في دولة الكويت، قال فيه إن "زيادة أسعار الوقود لا تأتي من فراغ، لأن الدولة معنية بالتوازن العام (الاقتصادي، السياسي، الاجتماعي) لدى مجتمعها من ناحية إنتاج الوقود واستهلاكه، وكذلك إدارة الآثار السلبية بالدرجة التي تضر هذا التوازن، خصوصاً في دولة الكويت التي تنشد توسع الأفراد والمؤسسات في التجارة العامة والنشاط الاقتصادي، الذي يملي هذا التوسع الطبيعي زيادة في استهلاك الوقود".

وأشار البزاز إلى أن حماية هذا التوازن تكمن في عدم الاستمرار في تفتيت أو هدر ثروات الدولة، لافتا إلى أن تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية يعتبر حجر أساس في الاقتصاد المدني الذي تمنحه القوة والقدرة على استيعاب أي أزمة اقتصادية مرتقبة، "لكن يجب ألا يهمش العاملان السياسي والاجتماعي، لأنهما معنيان أيضاً بالتوازن العام، فمثلا الدولة معنية بتشريع قوانين تخدم هذا التوازن، والا فستظهر سلبيات عدة تعصف به، وتخلق بذرة التناقض والاختلال منذ البداية".

 وذكر أنه "لا يوجد في المجال التشريعي بالكويت تصنيف نفطي أو طاقة معني بملء الفراغ بالشكل الذي يضمن الأهداف العامة للاقتصاد المدني والعدالة الاجتماعية للمواطنين والمقيمين".

العامل الاقتصادي

وأضاف البزاز أن "البعض يظن أن الاستمرار في دعم الوقود إحدى الظواهر السلبية، لأنه ينظر بمنظار واحد فقط هو العامل الاقتصادي، وهذه النظرة نحترمها ونقدرها، لأنها معنية أيضا بالتوازن العام وسد فراغات الدولة، ولكنها غير كافية لتحقيق التوازن العام المنشود، خصوصا في الجوانب الأخرى التي لا تقل أهمية عن الجانب الاقتصادي".

 وتابع: "يمكن تلخيص هذه النظرة أن مواصلة أعباء الحياة بمنظورها المتحرك على مر العصور محصورة في اتجاه واحد فقط، هو الغلاء المعيشي".

ولفت إلى أن هذه الفكرة ليست متطورة بطبيعتها ولا تعالج مشاكل ثابتة وجوهرية مهما اختلف إطارها ومظهرها العام، و"لكي نستوعب تفصيلات هذه الفكرة يجب أن نحدد الجوانب المتطورة من حياة الإنسان في الكويت وتحديداً الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، لخصوصية المجتمع المدني الكويتي في العالم أجمع من ناحية تعامله مع الوقود حتى تكتمل الصورة لدى الكويت".

وقال البزاز "حتى تكتمل هذه الجوانب المتطورة من حياة المواطن والمقيم في الكويت يجب توفير جهاز تشريعي واع ومستقل ومعني بقضية رفع الدعم أو تخفيضه، أو التشبث به من النواحي الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لتحقيق التوازن المطلوب".

 وأضاف أن "هذا الجهاز الاستراتيجي، لسوء الحظ، غير متوافر حالياً لعمل دراساته وأبحاثه، خصوصاً في الجوانب السياسية والاجتماعية، لأنه يتطلب كوادر كويتية على قدر كبير من العلم والمعرفة معنية بتدارس هذه الجوانب".

نظرية تناقص الغلة

وأوضح البزاز أن الغلة هنا هي الوقود الأحفوري الناجم من تكرير النفط الخام (غاز– بنزين– كيروسين– ديزل)، وهذه النظرية تقرر "ان زيادة أحد عناصر الإنتاج المستخدم في عملية إنتاجية ما, مع بقاء العناصر الأخرى، ثابتة, ومقدار الزيادة في الناتج الكلي الناجمة عن إضافة وحدة واحدة من عامل الإنتاج المتغير تتزايد أولاً، ثم تأخذ في التناقص بعد حد معين".

وأضاف "أن مقدار نسبة الاستهلاك المحلي للمحروقات لغرض توليد الكهرباء والماء والمواصلات العامة والخاصة لا تزيد على 8 في المئة من الناتج اليومي للنفط الخام، حسب إحصائيات 2011، وهي نسبة تعد قليلة إذا ما قورنت بأمم أخرى مثل أميركا 1000 في المئة، والصين 400 في المئة".

وتابع "إذا أخذنا الحالة في الكويت نجد أن الأستهلاك أخذ يزداد، نظراً للزيادة المطردة في عدد السكان من مواطنين ومقيمين (عدد سكان الكويت في سنة 2006 هو 2.6 مليون نسمة تقريبا، واليوم نحو 4.2 ملايين نسمة)، مما يعزز مفهوم زيادة الاستخدام للوقود، أو اصطلاحا (الاستهلاك المحلي)، طالما الكميات موجودة ورخيصة".

 الوقود وتنمية المجتمعات

وقال "قد يتجه البعض إلى أن علة زيادة أسعار الوقود بسبب زيادة الاستهلاك المحلي دون أي مردود يذكر، وهو ما يعزز مفهوم الدعم الحكومي للوقود، وأيضا يجب أن تقف أو تستبدل أو تنقح في اتجاه واحد هو زيادة أسعار الوقود الأساسي والضروري لحياتنا اليومية"، مضيفا "لكنّ هناك مردوداً اقتصادياً بسيطاً لكن "السياسي" و"الاجتماعي" مردودهما عظيم، فهما عامل جذب للأسر المقيمة في الكويت بتنافسية عن دول الجوار".

الإنتاج والاستهلاك والتخزين

وبيّن البزاز أن عملية الاستهلاك هي الإنفاق على السلع مثل الملبس والمأكل والأدوات المنزلية والمواد الخام كالوقود والمعادن، وأيضا الخدمات المستخدمة في تلبية الاحتياجات والرغبات خلال فترة معينة ويقابله الإنتاج؛ فالمستهلك هو الذي يشتري من السوق ما يلزمه من حاجات ومواد أو خدمات، وهذه الحاجيات في تزايد مطرد، لذلك ظهر في المجتمع الاستهلاكي المتطور: اتحاد المستهلكين مقابل اتحاد المنتجين (العمال، أرباب العمل).

وأوضح أن المجتمع الاستهلاكي هو مجتمع بلد، حيث يتوقف تشغيل الاقتصاد وتفعيله على الابتكار المتواصل لحاجات جديدة- انطلاقاً من فرضية (الإنسان مخلوق استهلاكي)، حيث تتحول متع الاستهلاك إلى ضرورات، على حساب كل مطلب إنساني آخر غير استهلاكي، وهذا المجتمع يحرّكه محرّك السوق: تجديد الاستهلاك في كل حين.

وأكد أن الاستهلاك يعتبر أحد مقومات الدخل القومي ومؤشرا لرفاهيته، وهو أيضا مفهوم منافس للادخار، لافتا إلى أن "أهم علاقة بين مفاهيم الاستهلاك الضروري والكمالي علاقتنا باستهلاك الوقود، لأن كل السلع الإنتاجية بضروراتها وكمالياتها تقوم على أساس طبيعة استهلاكنا للوقود، فلا يمكننا إنتاج أي سلعة أو توزيعها أو تخزينها وادخارها، الا تجد الوقود هو العامل الرئيسي، لأنه ببساطة البنية التحتية لاستهلاكاتنا".

غلاء الأسعار

وقال "إذا زاد سعر البنية التحتية مثل الوقود فأبشروا بغلاء الأسعار، ولدينا شاهد عيان، هو ظاهرة ارتفاع أسعار السمك في الأسواق المحلية، نتيجة استشعار الزيادة في القوة المحركة الاستهلاكية ألا وهي الوقود".

وأضاف "للأسف أن للاستهلاك في مجتمعاتنا ثقافة سلبية بحكم أنها تورث مفاهيم مغالطة لأي تنمية حقيقية، وهذه المفاهيم تدعو إلى عدم الاكتراث، لأنها تؤمن بقضية الاستهلاك فقط دون جوانب التنمية الأخرى مثل الإنتاج والتوزيع والادخار والمبادلة وغيرها".

وتابع البزاز أن "هذه الجوانب يجب تكاملها مع قضية الاستهلاك، لأنها في النهاية تصب في قضية أكبر هي التنمية، ويجب ألا تعالج قضية الاستهلاك بمنأى عن الجوانب الأخرى، لأن الحلول يجب أن تكون متكاملة، وليس هناك حل أمثل يدار من جانب واحد فقط، فلا تعالج ظاهرة سلبية بظاهرة سلبية أخرى".

 ترشيد الاستهلاك

وأكد أن أكثر البحوث في مجال ترشيد الاستهلاك هو ترشيد الطاقة، فهو أكثر الطرق شيوعاً في نظريات ترشيد الاستهلاك، كما لو أن الطاقة والاستهلاك لفظان لمعنى متلازم واحد، والطاقة تعد سلعة ووسيلة ضرورية من سبل الاستهلاك.

ولفت إلى أن الحاجة للطاقة في ازدياد مطرد، لما لها من نمو بشري مطرد، ونجد أن المشكلة تكمن، ليس في تناقص الموارد الطبيعية، كما تبدو للوهلة الأولى، لأن الطبيعة قادرة على ضمان حاجيات الحياة، ولكن دائما في إيجاد توافق وتقليل الهوة بين أشكال الإنتاج وعلاقات التوزيع من جهة، والاستهلاك من جهة أخرى.

 السوق المحلي

وقال البزاز "إذا نظرنا بإمعان الى السوق المحلي فسنجد أربعة قطاعات مهمة في دولة الكويت هي: القطاع الأهلي، وقطاع النقل والمواصلات (التجاري)، والقطاع الحكومي، والقطاع النفطي الصناعي".

وأضاف أن الحصص المتبعة من إحصائيات 2009 هي الاستهلاك المحلي للطاقة الأحفورية حسب القطاع: القطاع الأهلي 1 في المئة، قطاع النقل والمواصلات التجاري 19 في المئة، القطاع الحكومي 50 في المئة، القطاع الصناعي 30 في المئة.

وتابع "بما أن 8 في المئة من استهلاك المحروقات النفطية هي تقريبا الاستهلاك المحلي العام، وهذه الأخيرة نسبة متدنية بالإجمالي العام، إذا ما قورنت بمثيلاتها في دول أخرى، فإن توزيع الحصص هو ما يختلف من دولة إلى أخرى".

وذكر أن اللافت أن القطاعين الأهلي والتجاري الخاص يشكلان خمس الاستهلاك المحلي، بينما القطاعان الحكومي والصناعي يشكلان أربعة أخماس الأغلبية، وأن نسب الأهالي والنقل التجاري بشكل عام متدنية، ويجب التشجيع بزيادة الاستهلاك أو على الأقل المحافظة بالإبقاء على الدعم العادل.

إبقاء الدعم

وقال البزاز إن "ضرورة إبقاء الدعم هو عامل أساسي في استقرار البلد اقتصادياً وسياسياً وأمنياً وتنموياً، خصوصا أنه ليس هناك شح في المعروض، وهذا الوقود مطلوب أساسي في تنمية المجتمع"، لافتاً إلى أن السوق المحلي يستوعب زيادة الأهالي والقطاعات الخاصة، وليست هناك حاجة ملحة تستوجب الزيادة في ظل تهاوي أسعار النفط الخام.

هل تتراجع أسعار المحروقات في السوق المحلي بتراجع سعر النفط؟

إن تطاير أسعار النفط وعدم استقرارها بشكل غير مسبوق يؤدي إلى اختلال توازن التخطيط لبناء أي مشاريع مستقبلية، ولا يمكن للدولة التنبؤ بأسعار النفط الخام الذي هو أساس تسعير المحروقات، فإذا زاد سعر النفط الخام (فوق 100$ للبرميل الواحد) فإن السوق العالمي ينافس المحلي على الكميات المتوافرة والمعروضة حتى بأغلى الأثمان، لكن إذا ما شاهدنا تراجعاً في أسعار البترول الى (40$ أو أقل) نرى أن العرض العالمي يتزايد من النفط الرخيص، ويجعل السوق المحلي تواقاً إلى تلك الكميات ومنافساً، بيد أن السوق العالمي هو المستفيد لا المحلي، لأن العالمي التقليدي أصبح مشبعاً بالنفط الرخيص، حيث يشتري كميات كبيرة، ليس لغرض الاستهلاك بل للتخزين.

وأضحت دول ليس لها نفوط خام أو محروقات دول ذات مخزونات لا بأس بها، ويمكن أيضا لها أن تصبح دول إعادة تصدير بأسعار تنافسية، وهذا النوع من عدم الاستقرار بالكميات والأسعار يجعل من الصعب التكهن بعدالة الأسعار المناسبة للسوق المحلي، فإذا زادت الأسعار، لأي سبب كان، يصبح من الضروري رفع أسعار السوق المحلي، ولكن ماذا إذا تراجعت أسعار النفط الخام كما هو الحال الآن، هل تتراجع أسعار المحروقات في السوق المحلي؟ الإجابة لا، وهنا تتدخل الجهات الحكومية المراقبة للأسواق العالمية والمحلية بالتنظيم والرقابة اللازمة، لتحقيق التوازن من ناحية الغلاء المعيشي من جميع الجهات لا باتجاه واحد فقط هو زيادة الغلاء، لكن للأسف هذه الجهة غير موجودة لأداء هذا النوع من الرقابة والتوازن.

back to top