«السلام عليك يا مريم»!
![مجدي الطيب](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1458322261627985900/1458322269000/1280x960.jpg)
لا يترك المخرج المشهد من دون أن يتدخل برؤيته التي لا تخلو من عمق وطرافة، فالعذراء جُز رأسها في الحادث، وها هو جسدها مُمدد في مقدمة السيارة، وكأنها مصلوبة كابنها، و{راشيل» اليهودية ترثي لحالها، وتمد حرامها لتضمد جراح العذراء، وتُعيد رأسها إلى مكانها، والراهبة الشابة «ماري» تجدها فرصة لاختراق الصمت، وتعود إلى براءتها وفطرتها، وعندما تتدخل كبيرة الراهبات لإنقاذ الموقف، وتوفر للعائلة اليهودية السيارة «الفولفو» التي كانت تملكها إحدى الراهبات، تتذكر «راشيل» عنصريتها، وترفض قائلة: «لن أركب هذه السيارة العربية لأن العساكر إذا شاهدوها سيطلقون عليها النار» وتجدها الأم فرصة لمكايدتها قائلة: «اطلبي هليكوبتر إذاً»!إنها الكوميديا السوداء أو الجدية المُبطنة بالسخرية، التي تعكس براعة المخرج باسل خليل، الذي تولى عملية المونتاج وشارك في كتابة السيناريو مع دانيل يانيز، ووظف موسيقى جيمي سيرافي لاستكمال جرعة السخرية، كما في مشهد تأهيل السيارة «الفولفو»، واختتم الفيلم برسالة إنسانية نبيلة تحض على التسامح بين الأديان، فالراهبات الفلسطينيات تعاملن بود وسماحة، حسب تعاليم دينهن ووصايا السيدة العذراء، وقدمن أروع الأمثلة في خدمة «الغير»، وقبول «الآخر»، وكان لهذه المعاملة الطيبة أكبر الأثر في تغيير عقلية المستوطنين الإسرائيليين المتطرفين، بدليل قبولهم التحرك بسيارة تحمل فوق سقفها تمثالا للسيد المسيح، وإن علا صوت «راشيل»: «شغل هذا الكاسيت كي لا يظنوننا عرباً» بينما تعود الراهبات إلى الصلاة على مريم، وينذرن أنفسهن للصمت من جديد.14 دقيقة من بساطة الأداء، وجدة الفكرة، وجاذبية المعالجة، فالخلاص من الضيف الثقيل لا يتأتى- أحياناً- بغير التعاون، وهي رؤية جديدة من الجائز أن يكون لها اعتبارها في إطار الصراع مع العدو، وربما تكون سبباً في اتهام الفيلم بالتطبيع، في حال النظر إليها بوصفها محاولة لتكريس الوضع القائم بين الفلسطينيين والإسرائيليين، خصوصاً أن حوار الفيلم يدور بالعربية والعبرية، ويحمل عدد من الممثلين جوازات السفر الإسرائيلية بحكم انتمائهم إلى عرب الأرض المحتلة (الفيلم بطولة: هدى الإمام، ماريا زريق، شادي سرور، روث فرحي ومايا كورين) بالإضافة إلى أن المأساة تحولت على يد باسل خليل إلى ملهاة، والحال نفسها في ما يتعلق بالقضايا التي ظلت جوهرية كالمصير والوجود والحدود والمستقبل، التي تعامل معها الفيلم باعتبارها قضايا إنسانية يمكن التوصل إلى حلول ناجعة لها بالحوار والتقارب والتسامح، وقبول الآخر، ونبذ التعصب، والتخلي عن العنجهية، واحترام العقيدة.