النفط على أرض ساخنة
بلا شك ستستمر أسعار النفط في الانحدار، وقد تسبّب انهيار اقتصادات الكثير من الدول المنتجة ما لم يكن هناك تعاون وسياسات مبنية على الشراكة فيما بينها، خصوصاً تلك المعتمدة على النفط في موازنتها والكويت مِنْهَا.لقد كانت بداية الانهيار مع دخول النفط الصخري على خط إنتاج الطاقة مع أنه ذو تكلفة عالية وبمعدل ١٠٠ دولار للطن، لكن أثره على أسعار النفط كارثي وكأنه السحر، حيث تهاوت الأسعار إلى ما دون ٦٠ دولاراً، والآن إلى ما دون الـ٤٥ دولاراً، وهو سعر يقل عن تكلفة استخراجه في معظم الدول، مما ينذر بكارثة اقتصادية عالمية.
للأسف تعنّت بعض دول الأوبك في معالجة تداعيات الأزمة منذ البداية من خلال تمسكها بسقف حصتها، ولجوء البعض الآخر إلى رفع سقف الإنتاج لتعويض الخسائر، لم يفلحا كسياسة في فرض التسعيرة العادلة لبرميل النفط، فالسوق عرض وطلب، والفائض يفوق قدرة السوق على امتصاصه.مؤشرات أسعار النفط رمت بظلالها على أسعار البورصات العالمية التي تراجعت هي الأخرى تحت مخاوف كبيرة من استمرار تهاوي أسعاره، والحال أسوأ على دول الخليج التي تعتمد بشكل كبير على النفط في دخلها كمؤشر اقتصادي على متانة الاقتصاد؛ مما سيترتب عليه خسائر تضر بصغار المستثمرين وكبارهم. دولة الكويت سجلت ميزانيتها عجزاً عاماً في آخر موازنة لها، وهنا يجب ألا نتحدث عن الوفرة المالية للسنوات الماضية، وهل تمت الاستفادة منها عبر إدخالها في دائرة الاستثمار الآمن؟ وما العوائد التي تحصلت منها؟ فسكين أسعار النفط قد تصل إلى شلل في ميزانيات الكثير من الدول المنتجة له إذا ما صدقت التقارير التي تشير إلى أن سعر النفط سيتراوح بين ٢٠ و٤٠ دولاراً، وهو أقل بكثير من تكلفة الإنتاج، مع أن تصريحات أغلب وزراء النفط أشارت إلى أن الأسعار لن تنخفض إلى أقل من ٦٠ دولاراً، وسيسترد عافيته مع نهاية عام ٢٠١٥ والربع الأول من عام ٢٠١٦، وعلى ما يبدو أنهم لا يقرؤون بالشكل الصحيح، أو لا يقرؤون بتاتاً، فمبررات انحدار الأسعار أكثر منطقية وتداركها ليس بالأمر السهل.رغبة بعض الدول في استعادة حصتها كالعراق وإيران والإكوادور وليبيا، وإعلانها الاستمرار في ذلك بغض النظر عن الأسعار، يقابلها إصرار دول أخرى برفع إنتاجها وتمسك بعضها بمعدلات الإنتاج الحالي، مما سيساهم في المزيد من الانحدار.كثرة المعروض وفائض المخزون لدى الدول الصناعية الكبرى سيكونان عاملي ضغط على تسعيرة النفط، ولن يساعدا بالقريب العاجل على رفع الأسعار، وما تصريحات وزراء أوبك إلا أمنيات لن تتحقق في بضع سنين.الجزائر طلبت اجتماعاً عاجلاً لمنظمة أوبك لتدارس تداعيات انخفاض النفط، ومع ذلك لم تجد آذاناً صاغية من بقية الدول الأعضاء؛ مما يؤكد أن سياسة كسر العظم ستستمر والأسعار ستنخفض، وها هو ينخفض إلى ما دون الـ٤٠ دولاراً هذا الأسبوع والقادم أسوأ. اللافت أن وزيرة التخطيط الأستاذة هند الصبيح صرحت بأن مشاريع خطة التنمية وبرامجها لن تمس وتسير في الطريق الصحيح، وأنها لن تتأثر بانخفاض الأسعار، وقد تكون الأستاذة هند محقة بشرط أن تشرح الآلية التي سيتم منها الصرف والجدوى الاقتصادية لكل مشروع، فلغة الأرقام هي من يحكم على نجاحها من عدمه، خصوصاً تلك المشاريع التي يجب أن تنعكس على الدخل الوطني.ودمتم سالمين.