أجمل شهور السنة شهور فصل الخريف في الكويت، فهو الفصل الذي تبدأ فيه الحرارة الانخفاض مصاحبة مع بدايات زخات المطر، وتحسن الطقس بشكل واضح، ويصاحب هذا التحسن تغيرات كثيرة على كل المستويات الاجتماعية مثل حفلات الخطوبة والزواج والاستقبالات بكل أشكالها، وهذا يحتاج إلى تجديد وترميم وإصلاح البيوت لهذه المناسبات المتعددة القادمة، أو بسبب الصيف الذي يأكل الأخضر واليابس، ويقضي على كل الحدائق المنزلية، مما يدفع الناس إلى إعادة إصلاح الحدائق وزراعتها من جديد، فتصبح حركة البناء في الشوارع والبيوت بالمناطق السكنية مثل حركة النمل في تنظيف بيوته عند انتهاء الشتاء وقدوم الصيف، كما يزداد النشاط التجاري بكل أنواعه، وتزدهر حركة البيع في كل المتاجر والأسواق، وحتى البيع عن طريق البيوت والانستغرام والإعلانات، وتصبح الكويت خلية نحل تتاجر وتبيع وتشتري بشكل استهلاكي مذهل، والكل يبيع ويشتري، والكل يهرول، وما ينطبق على التغيرات الاجتماعية والتجارية ينعكس أيضاً على الوضع السياسي، حيث ينشط مجلس الأمة بعد إجازة فصل الصيف الطويلة، وعودة النواب إلى قواعدهم سالمين، وإلى معاركهم مع بعضهم واستجواباتهم، وبدايات نقاشات لها أول وليس لها آخر، مع ازدياد سخونة الأوضاع في الداخل والخارج.

Ad

ومع ازدياد النشاط السياسي والتجاري والاجتماعي ينشط أيضاً الوضع الثقافي بعد سبات الصيف والهجرة الصيفية، ويعود البث الحركي للموسم الثقافي في الكويت، الذي يبدو وضعه في هذا الخريف مختلفاً عن المواسم الثقافية السابقة، وهذا هو إحساسي به، مما لاحظته من بداياته، فإلى جانب البرامج الثقافية للمواسم الثابتة بالنسبة إلى رابطة الأدباء، وموسم المجلس الوطني للثقافة والآداب والفنون الذي يقدم أنشطة معرض الكتاب، ومهرجان القرين، والمعارض الفنية المتعددة، وبرامج أخرى تبعاً لشهور السنة، هناك أنشطة بيت لوذان الاجتماعية الثقافية التجارية، وأيضاً المواسم الثقافية لدار الآثار الإسلامية التي توسع نشاطها بافتتاحها للمركز الأمريكاني ومركز اليرموك الثقافيين اللذين ازداد بهما تنوع النشاط الثقافي في الكويت.

كذلك هناك أنشطة جديدة بدأت تظهر في هذا الخريف مثل التنوع في برامج المواد المقدمة في حديقة الشهيد الجديدة مثل الحفلات الموسيقية والغنائية، ورياضة اليوجا، وورش الكتابة للأطفال، وأيضاً ورش الكليوغرافيي للأعمال الفنية، وأنشطة متعددة ذات طابع مختلف عما يقدم في الأماكن الأخرى، وهو الأمر الذي يبشر بالتغيير المقبل، خصوصاً أن من يشرف عليها ويديرها شباب لوياك، وهم من خيرة الذين يعملون في العمل التطوعي، وخبرتهم مدربة ومعدة لمثل هذه الأعمال.

الجميل في برامج هذه الحديقة هو تركيزها على تعليم ونشر الوعي الفني الثقافي لدى الأطفال من قراءة ورسم وموسيقى، وهذا ما تحتاج إليه بشدة الأجيال القادمة حتى تبتعد عن التطرف والعنف الذي يسود حياتنا اليوم.

هناك الكثير من المراكز والجمعيات "والجالريات" وجامعة الكويت، ولكل منها برامج ثقافية وفنية خاصة بها على مدار العام.

الملاحظة الواضحة لهذا الخريف هي ازدياد الاهتمام بالعروض الموسيقية والمسرحية والفنية بشكل واضح، وهذا يعني أن هناك تغيراً في التوجه العام، للتخفيف من حدة التعليم الصارم المنغلق الخالي من الموسيقى والفنون، الذي أنتج هذا العنف والتطرف العنصري الحاد لدى بعض من الشباب الذين سهل وقوعهم في شبكات الإرهاب التي جندتهم، وغير هذه "الخناقات" والمعارك التي تدور في الشوارع والمولات ويروح ضحيتها بعضهم.

وفي معرض الكتاب لهذا الخريف أيضاً طابع جديد مختلف عن العام الماضي، فقد دشنت "الفاشنستات" والموديلز  المعرض بكتاباتهن وكتاباتهم أي جنس من الجنسين، وهذا يعني زيادة أعداد الزوار للمعرض، ليس بقصد الشراء والتزود بالكتب والمعرفة الثقافية، بل لأنهم "الفانز" أي "المعجبين" بالفاشنستات الذين يتابعونهن على الانستغرام والسناب شات والبري سكوب، وهن من يطلبن أو يأمرن متابعينهن باللحاق بهن في كل الأمكنة التي يذهبن إليها لترويج الاستهلاك التجاري، وبهذا أصبحت الثقافة بنداً من بنود الترويج التجاري، وبات الذهاب إلى المعرض شكلاً من أشكال العقاب الذي يجب أن يناله كل من أراد الحصول على قائمة كتبه المطلوب شراؤها من معرض اكتظ بزحام ثقافي مزيف مصطنع، وبمواقف سيارات ازدحمت وتآكلت بسيارات شباب الفانز وغيرهم من المتفرجين الذين يتنزهون في ردهات الكتب الثقافية.

لكن مع هذا يبقى خريف الكويت نشيطاً جميلاً متدفقاً بالرومانسية والحيوية والتنوع الثقافي المتعدد التوجهات.