شرق أوسط أدنى وأكثر فوضى

نشر في 06-12-2015
آخر تحديث 06-12-2015 | 00:01
المشكلة أن حكومات الشرق الأوسط تخشى الناشطين في مجال حقوق الإنسان والمصلحين الديمقراطيين بقدر ما تخاف مقاتلي «داعش»، لذلك تكتظ سجون المنطقة بالصحافيين والمحامين والديمقراطيين الذين لم يرتكبوا أي جرم غير السعي إلى بناء مجتمع حر.
 ريل كلير تناولنا سابقاً أشراك الحنين إلى الخلافة في الشرق الأوسط وسوء فهم هذه الدولة المندثرة وإعلان عودتها الكاذب على ضوء الانتفاضة الأخيرة في الجزء الأكبر من هذه المنطقة.

رغم ذلك، يحتوي الشرق الأوسط أمراً يجذبنا إليه ولا يتوقف عند مجموعة من الخطوط على الخارطة، فضلاً عن نظام يوازن كل مصالح المنطقة وعقائدها المتنافسة، لندعوه "الفسيفساء العثمانية".

مع اقتراب الذكرى الخامسة لانتفاضات الربيع العربي بسرعة، تناول هاي ماتز من مركز ويلسون فكرة الترابط الأكبر هذه في المنطقة ومساهمة سرعة انتشار التطرف الجهادي عبر الحدود غير المضبوطة في توضيح المزاج العام في الشرق الأوسط راهناً.

فيرى أن "داعش (تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام)، برهن من خلال أعماله في العراق وسورية، أن حدود الدول لا تستطيع أن تحتوي التنظيمات، والحركات، والأفكار التي تعمل على نطاق إقليمي، إذ يشير إعلان قائد داعش أبوبكر البغدادي عودة الخلافة، التي نصب نفسه خليفة عليها لكل المسلمين أينما كانوا، إلى توجهه الإقليمي، وهكذا تستغل رؤية البغدادي عن عالم إسلامي موحد التيار الخفي من الطموحات والانتماءات الجماعية الإقليمية، هذا التيار الخفي عينه الذي عزز بطريقة مختلفة بروز الرئيس المصري السابق جمال عبدالناصر والحركة القومية العربية في خمسينيات القرن الماضي".

يتابع ماتز بعد ذلك التحدث عن ظاهرة مرتبطة إلى حد ما بهذه المسألة وتساهم أيضاً في ربط هذه المنطقة، وهي أزمة اللاجئين السوريين، فيذكر أنه "بحلول نهاية عام 2014، كانت دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا قد استقبلت نحو 5.5 ملايين لاجئ، أي ضعف ما كانت استقبلته عام 2010، وفق أرقام الأمم المتحدة، لكن أزمة اللاجئين ضاعفت الطائفية في هذه الدول، وشكلت ضغطاً أكبر على الموارد المتوافرة، وعرضت الحكومات لتحديات جديدة، مبرهنة بالتالي على السرعة التي قد تتحول بها المشاكل الخارجية إلى تحديات داخلية في مختلف دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا".

وأدى غياب سلطة الدولة في بلدان مثل العراق، سورية، واليمن إلى تنامٍ سريع في سياسات الهوية الطائفية في المنطقة، حيث بدت القوى المتنافسة، مثل إيران والمملكة العربية السعودية، أكثر من مسرورة باستغلال هذا الوضع في سعيها إلى تعزيز نفوذها.

حافظ النظام العثماني، رغم كل عيوبه، طوال قرون على نوع من التوازن في المنطقة يبدو مستحيلاً راهناً، في حين أن نظام ما بعد الحرب العالمية الأولى، الذي يدعوه باحثو الشرق الأوسط عادةً "صفقة الحكم الاستبدادي"، لم يدم أكثر من قرن، فهل آن الأوان اليوم لاستبداله بنظام أفضل؟ إن صح ذلك، فما الشكل الذي قد يتخذه هذا النظام؟

تشير مضاوي الرشيد، صحافية في Al-Monitor وبروفيسورة زائرة في كلية لندن للاقتصاد، إلى أن شبكة من أنصار المجتمع المدني، مثل الناشطين في مجال حقوق الإنسان والمصلحين الديمقراطيين، قد تنجح في سد الفجوة بين النظامين القديم والجديد، مبينة أن "الحل لا يكمن في تقوية الأنظمة القديمة أو إعادة إحيائها لقمع الشعب أكثر، بل في تعزيز القوى البديلة التي قد تعمل كتيار معاكس يتصدى لخطر الإرهاب الحالي".

لكن هذه المقاربة تصطدم بمشكلة أن الحكومات المستبدة في الشرق الأوسط تخشى هؤلاء الناشطين بقدر ما تخاف مقاتلي "داعش"، لذلك تكتظ سجون المنطقة بالصحافيين، والمحامين، والديمقراطيين الذين لم يرتكبوا أي جرم غير السعي إلى بناء مجتمع حر أكثر شفافية.

علاوة على ذلك، يشكل عدد كبير من هذه الحكومات المستبدة المذكورة أعلاه حلفاء ورأس حربة استراتيجي في حرب الغرب ضد داعش، لذلك لن تواجه على الأرجح أي انتقاد جدي بسبب سجلها في مجال حقوق الإنسان في المستقبل القريب. نتيجة لذلك، ستستمر "صفقة الحكم الاستبدادي" في الوقت الراهن.

* كيفين سوليفان

back to top