فاز حزب أليكسيس تسيبراس اليساري (سيريزا) بتفويض جديد في الانتخابات اليونانية المفاجئة الأحد الماضي، بعد أن كان رئيس الوزراء هذا قد خسر الأكثرية البرلمانية بسبب دعمه رزمة إنقاذ قاسية إضافية فرضها الدائنون على البلد، ولكن ماذا يمكننا أن نتعلم من النتائج؟ وماذا تعنيه لليونان، اقتصادها، ودائنيها؟
1- كيف فاز تسيبراس؟نظراً إلى أن حزب تسيبراس "سيريزا" وشريكه في الائتلاف، حزب "اليونانيين المستقلين"، وقعا اتفاق الإنقاذ في شهر يوليو، نلاحظ أن الهوية المناهضة للتقشف، التي ساهمت بادئ الأمر في إيصالهما إلى السلطة، ما عادت تتمتع برأسمال سياسي كبير، وبدلاً من ذلك ركزت حملة "سيريزا" على الصراع بين "القديم" و"الحديث"، داعيةً الناخبين إلى وقف "عملية ترميم" الأحزاب اليونانية التقليدية، التي كانت تمسك بزمام السلطة حتى شهر يناير الماضي، أما الوعد الضمني الذي قدمته هذه الحملة، فارتكز على أن سيريزا سيتمكن من تطبيق إصلاحات التقشف بإنصاف أكبر، مقارنة بحزب الديمقراطية الجديدة اليميني الوسطي أو الحركة الاشتراكية اليونانية اليسارية الوسطية. أظهرت استطلاعات الرأي أن سيريزا يواجه منافسة قوية من حزب الديمقراطية الجديدة، لكنها كشفت أيضاً أن غالبية الناخبين المترددين دعموا سيريزا في انتخابات شهر يناير وصوتوا بـ"لا" في استفتاء شهر يوليو بشأن عملية الإنقاذ، إلا أن تسيبراس نجح في حشد هذه الأصوات في الأيام الأخيرة من الحملة بتأجيج شعور مناهض للمؤسسات في المجتمع اليوناني.2- ما التحديات التي يواجهها الائتلاف الحاكم؟سيكون جدول أعمال ائتلاف سيريزا-اليونانيين المستقلين حافلاً في الأشهر المقبلة، بما أن عليه الإسراع في تطبيق إصلاحات واسعة النطاق في مجالات رواتب التقاعد، ونظام الضريبة، وأسواق المنتجات والعمال، بغية تلقيه تقييماً إيجابياً من دائني اليونان. وستحدد إعادة التقييم هذه ما إذا كانت عملية إعادة تمويل النظام المصرفي اليوناني الملحة ستُنفذ في وقت قريب، كما ينص اتفاق الإنقاذ، بالإضافة إلى ذلك يفرض اتفاق الإنقاذ على البرلمان اليوناني التصويت على مئات القوانين الجديدة خلال السنوات المقبلة، ولا شك أن الرزنامة السياسية المحلية مؤاتية في هذا المجال: فلن تشهد اليونان عمليات انتخابية مقررة (الانتخابات المحلية والأوروبية) حتى صيف عام 2019، علماً أن ولاية البرلمان الحالي المنتخب حديثاً، والتي تدوم أربع سنوات، ستكون حينذاك قد شارفت على نهايتها في مطلق الأحوال.3- ما النفوذ الذي يتمتع به تسيبراس في مفاوضاته مع دائني اليونان؟تُظهر نتائج الانتخابات أن تسيبراس لا يزال شخصية واسعة النفوذ في عالم السياسة اليوناني. ربما أدرك دائنو اليونان أن من الممكن تطبيق الإجراءات الصعبة المقبلة بسهولة أكبر من دون مواجهة الاضطرابات الاجتماعية، في حال كان سيريزا (وتسيبراس نفسه) في الحكومة، وبكلمات أخرى يُعتبر تسيبراس أساسياً لنجاح عملية الإنقاذ، وفي المقابل لا يزال تسيبراس على الأرجح أكثر ميلاً إلى قلب الأمور رأساً على عقب، إلا أن هامشه للمناورة بات اليوم محدوداً، مقارنة بما عليه سابقاً. فقد شمل "انتصار" سيريزا واليونانيين المستقلين أيضاً خسارتهما أكثر من 300 ألف صوت منذ شهر يناير، كذلك تُظهر معدلات الامتناع عن المشاركة أن اليونانيين سئموا المغالاة في التركيز على السياسة خلال الأشهر الأخيرة، ونتيجة لذلك يقوم أفضل سيناريو على إدراك تسيبراس أن مكانته تعتمد إلى حد بعيد على إدارته الاقتصاد بفاعلية، في حين يكافئه الدائنون نتيجة لذلك في مراحل مفصلية (في مسألة دين اليونان مثلاً).4- ما فرص الاقتصاد اليوناني؟لا تبدو واعدة، فخلال السنوات الخمس الماضية من عمليات الإنقاذ التي طبقتها الأحزاب الموالية لأوروبا، فرضت هذه الأحزاب تدابير التقشف من دون أن تبذل جهداً يُذكر للحد من المصالح الشخصية أو المحسوبية الحزبية. صحيح أن ألكسيس تسيبراس وعد "بكسر النظام القديم"، ولكن لا نعلم حقاً ما إذا كان ما يقصده بذلك هو ما يحتاج إليه الاقتصاد اليوناني: الحد من البيروقراطية ومن سلب الاقتصاد المنتج الموارد وتخصيصها للمجموعات المدعومة التي تتمتع بعلاقات جيدة مع أصحاب النفوذ. خلال عهد حزب الديمقراطية الجديدة والحركة الاشتراكية اليونانية، تركز الإصلاح عموماً على التوصل إلى طرق مبتكرة لفرض الضرائب على الاقتصاد بغية سد العجز في القطاع العام، في حين أن الإصلاحات البنيوية أُهملت ولم تُطبق بالكامل، ونتيجة لذلك واجهت اليونان ركوداً طويلاً، مع أنها ظلت جزءاً من منطقة اليورو، ونتوقع مواجهة المزيد من هذه المسائل في ظل حكم سيريزا واليونانيين المستقلين.5- هل تتمكن اليونان يوماً من تسديد ديونها؟يُعتبر أفضل سيناريو (الإصلاح الفاعل مقابل تخفيف أعباء الدين) أقل احتمالاً من سيناريو الركود (إصلاح باهت وصدامات محدودة مع منطقة اليورو). من المفترض أن تنتهي عملية إنقاذ اليونان الثالثة في صيف عام 2018، أي قبل سنة من انتهاء ولاية الحكومة الجديدة المتوقعة. من الناحية النظرية يستطيع ألكسيس تسيبراس التخطيط لتطبيق فاعل وإتمام عملية الإنقاذ بحلول تلك الفترة، مما يسمح للاقتصاد اليوناني بالنمو ولليونان بأن تقترض مجدداً من الأسواق المالية من دون دعم منطقة اليورو، وهكذا يتمكن رئيس الوزراء من حصد فوائد هذا النجاح في انتخابات عام 2019.ولكن بالنظر إلى حمض سيريزا النووي العقائدي، وشخصية تسيبراس، وطبيعة النظام السياسي اليوناني، من المستبعد أن تسير الأمور بهذه السلاسة، بل سيُرغم تسيبراس في مناسبات عدة على الموازنة بين التزامه بعملية الإنقاذ وإرضاء ناخبيه الذين سيعترضون على تطبيقها، ولا شك أن مجموعات سيريزا وحزب اليونانيين المستقلين البرلمانية أكثر تماسكاً اليوم مما كانت عليه سابقاً، إلا أن هذا الائتلاف لا يحظى رغم ذلك بالأكثرية إلا بفارق أربعة مقاعد في البرلمان، ونتيجة لذلك قد يجد الاتحاد الأوروبي نفسه مرة أخرى أمام مطالب اليونان المتجددة في أعقاب سوء تطبيق عملية الإنقاذ، وهكذا قد تسير اليونان وأوروبا مجدداً من دون أن تدريا نحو خروج اليونان من منطقة اليورو.* أنجيلوس كرايسوجيلوس
مقالات
خمسة دروس نستمدها من نتائج الانتخابات اليونانية
27-09-2015