أرادوا بقتله محو ذكر آل محمد (صلى الله عليه وسلم) وفرض حكمهم الفاسد كأمر واقع، لكن مكرهم السيئ حاق بهم وسقط حكمهم ولو بعد حين، وصارت ذكرى استشهاد الإمام الحسين (ع) مشتعلة في ضمائر الأحرار، ويحييها عشرات الملايين سنويا منذ ألف وأربعمئة سنة بفضل انتصار السنن الإلهية على المعادلات الدنيوية، في حين ذهب قاتلو هذه النفس الزكية إلى مزبلة التاريخ متلقين اللعنات منذ ذلك الحين إلى قيام الساعة.
لكن الغريب أنه وبالرغم من وضوح هذا الدرس الكبير في مصير الحكومة الظالمة، فإن مثل هذه الحكومات منذ ذلك التاريخ وإلى يومنا هذا لم تتعلم الدرس، وظنت أنها ستنجو وتستمر وتهرب من العدل الإلهي بمجرد استمرارها لعقود أكثر أو لاتساع رقعة أراضيها عن سابقاتها، لكن كل ذلك لم ينفعها وبالنهاية سقطت تلك الأنظمة لأن ما بني على باطل فهو باطل وغير قابل للاستمرار مهما طال به الزمن، لكني أستدرك لأقول إن الاستغراب في غير محله، فالباري عز وجل يحدثنا في كتابه الكريم بأن أغلب الناس لا يتفكرون ولا يعقلون ولا يؤمنون، وأبرز مصداق لذلك هو ممارسة الأنظمة الجديدة في مختلف الأزمنة للظلم نفسه الذي مارسته سابقاتها لتلقى المصير البائس نفسه.وزماننا هذا ليس باستثناء عن الأزمنة الغابرة، فنجد الظلم منتشراً في مختلف أصقاع الأرض، ففي كثير من الدول الغنية التي ننخدع بمظهرها هناك مشاكل اجتماعية كبيرة، وتدهور في الخدمات نتيجة الرأسمالية المتوحشة وسيطرة أباطرة المال على القرار السياسي. كيف لا وقد أثبتت العديد من الدراسات وبالأدلة والإحصاءات أن تقدم الدول في التعليم والرعاية الصحية والأمن وفي العديد من الجوانب لا يعتمد على مقدار غناها أو حجم صرفها على تلك الخدمات، لكنه يعتمد على مدى تحقيق العدالة والمساواة بين أفراد المجتمع.وفي العديد من البلدان الأخرى، وخاصة في بلداننا العربية الوضع أسوأ بكثير لأن أغلب الأنظمة تعتمد على سياسة فرّق تسد لكي تضمن استمرارها، فسياسة ضرب فئات المجتمع ببعضها خدعت الكثير من الشعوب التي انساقت وراء هذه اللعبة، خصوصا مع وجود بيئة خصبة غذت الناس على التطرف والطائفية بفضل أموال البترودولار. فصارت الشعوب تائهة متناقضة تعاني انفصام الشخصية، تجدها تشتكي الحال وتنتقد الفساد والطائفية والدكتاتورية، وفي داخلها أنواع وأشكال من ذاك الفساد وتلك الدكتاتورية، فتصير ألعوبة بيد وسائل الإعلام المشبوهة التي تحركها يمينا وشمالا بسبب فقدان الوعي والبصيرة، ولذلك تجدها تبارك الظلم وتصفق للتعذيب وتبرره، وتطرب لانتهاك الحرمات من زوار الليل فاقدي المروءة.ومن يقرأ كتاب "لماذا تفشل الأمم" للأكاديميين دارون عاصم أوغلو وجيمس روبنسون فإنه سيرى كيف أن السبب الرئيسي لسقوط الأنظمة هو وجود حالة المؤسسات المقتطفة (extractive institutions) أي أن مؤسسات الدولة مسخرة لخدمة وتنفيع علية القوم والمتنفذين، ولذلك ما هي إلا مسألة وقت حتى تنهار تلك المؤسسات وينهار معها النظام بأكمله لأنه يستحيل الحفاظ عليها في ظل هذه العقلية الانتهازية، ولعل هذه الحالة موجودة وبقوة في مجتمعاتنا، فشدة الصراع بين المتنفذين وأصحاب السلطة والمال والضرب تحت الحزام واستغلالهم لأحداث عادية وتضخيمها من أجل إشغال الناس بالأوهام والأخطار المفتعلة لخدمة أجندتهم الخاصة وحلب خيرات بلدانهم حتى نفاذها، أقول إن هذا الوضع سيؤدي إلى كوارث اجتماعية واقتصادية قد لا نتخيلها. قد يكون أصحاب النفوذ واعين أو غافلين عن خطورة هذه الحالة، لكن الأكيد أن الشعوب التائهة فاقدة الوعي والبصيرة غافلة عنها، مع أنها هي الضحية الأولى في حالة فشل الأنظمة بعد أن يبلغ الصراع مداه. المشكلة أن أغلب الشعوب لا تضع بالحسبان أن يحل الانهيار بها تماما مثل سائق السيارة الذي لا يربط حزام الأمان ظنا أنه معصوم من الحوادث الخطرة، لكن بنظرة سطحية للتاريخ سنرى أن هناك إمبراطوريات (لا مجرد دول) سادت ثم بادت، من الرومان إلى الاتحاد السوفياتي، وإذا أرادت تلك الشعوب تفادي المستقبل البائس، فلتتذكر القانون الإلهي الدائم "إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ".
مقالات
درس عاشوراء للحكومات الفاسدة والشعوب التائهة
22-10-2015