المصايف والبهدلة
الصورة البشعة التي يتركها بعض الخليجيين في أوروبا مخجلة ومخزية للغاية، وتترك انطباعاً لدى الأوروبيين بأن هذا هو السلوك العام لكل العرب، وهذا الانطباع ليس بصحيح، ففي فرنسا مثلاً أكثر من 6 ملايين مهاجر من المغرب لم يصدر منهم مثل هذه التصرفات، ولم يفعل أي منهم مثل أفعال الخليجيين التي تحمل تصرفات خالية من أية مسؤولية، عبر التعامل بلا مبالاة أو أدنى مراعاة أو احترام للدول التي يغزونها كمصايف لهم، ويتصرفون فيها بكل أريحية وكأنهم داخل بيوتهم، بل أظنهم لا يأتون بمثل هذه التصرفات في بيوتهم وبلادهم، لا أدري من أين تأتيهم هذه الجرأة الثابتة الجأش التي لا تراعي ولا تعمل أي حساب لقوانين البلد المصطافين به، ولا تراعي الذوق العام والعادات والتقاليد والتراث الأخلاقي والأدبي والفني.لا أدري من أي جعبة يأتون بمثل هذه التصرفات المتملكة لكل ما تطأه أقدامهم، ففي كل "صيفية" تنشر صور لأفعالهم في بلاد تذهل وتتعجب مما يأتون به من تصرفات غير حضارية لا تحترم البلد المضياف ولا تعمل حساباً له.
الظاهرة الغريبة هي تزايد أعداد هؤلاء المستهترين في السنوات الأخيرة، خاصة بعد ثورات الربيع العربي التي أقفلت المصايف العربية عنهم بسبب الحروب الدائرة فيها، وقد كانت تلك الدول العربية غطاء وستراً عليهم، فلم تعرف أفعالهم ومصائبهم فيها، وكان السياح الخليجيون من قبل 20 سنة مثالاً للذوق والاحترام والصورة الإيجابية، وكانوا يمثلون قمة الأناقة حين تقابلهم في مقاهي الشانزليزية أو في التسوق بالجادات المشهورة، أما الآن فقد انصب على دول أوروبا نوع جديد من السياح الخليجيين من الذين لا يخافون ولا يعملون أي حساب لسمعة بلادهم، وباتوا يعيثون الخراب والدمار في الغابات والحدائق العامة والمتنزهات، ويشوهون الأمكنة بتحويلها إلى مطابخ وكأنهم في بيوتهم لا في أماكن عامة، حتى غرف الفنادق لم تنج من طبخ "المجابيس"، هذا عدا تجمعاتهم في الشوارع بمصاحبة الموسيقى ومكبرات الصوت التي تزلزل المكان، وهم يتقافزون... ويغلقون الشوارع باستعراض السيارات الفارهة، إضافة إلى نشر مقاطع الفيديو والصور الغريبة على الإنترنت... مثل هذه التصرفات تدفع أهل المدينة إلى مغادرتها والبحث عن أمكنة أخرى تجنباً للاختلاط بالنماذج السيئة للخليجيين. للأسف بعض الخليجيين يكون وفياً للفوضى التي اعتاد عليها فينقلها معه أينما حل محاولاً تشويه الهدوء والنظام في البلدان الغربية.لماذا لا يحافظ الخليجيون على روح وشكل البلاد التي يصطافون بها ويحترمون هويتها وطباعها وعاداتها وتقاليدها؟ لماذا يحاولون تغيير صفات مصايفهم إلى النمط الذي يرغبون به؟ ولماذا يصرون على إحداث هذا التغيير؟ما يدفع للاستغراب أن بعض العرب يهربون من بلدانهم... وفي الوقت ذاته يريدون تحويل المكان الذي يستقرون فيه إلى نسخة من بلدانهم! بينما نجد الأجانب حينما يأتون إلى بلادنا يتقيدون بقوانينها ويحترمون عاداتها وتقاليدها، ويمتثلون لكل ما نريده منهم، لماذا لا نكون مثلهم؟!يجب أن تصدر الدول العربية قوانين تنظم السياحة في الدول الغربية تشكل رادعاً لكل فرد يرتكب سلوكاً قبيحاً يضر بسمعة بلده، ومن لا يعجبه اتباع منظومة القوانين السياحية والعمل ضمن مقاييسها فعليه أن يبقى في بلاده "أستر له".