ما الذي جعل الدب الروسي يلقي بثقله فجأة داخل أتون الحرب الأهلية السورية؟ وما الشيء الذي تراءى له من وراء الأفق المصلحي فجعله يخرج مزمجراً من مغارة بياته الشتوي، وهو الذي لم يغادرها منذ تفكك «معزبه القديم» الاتحاد السوفياتي؟

Ad

يمكن تحليل الموقف من خلال فهم أن روسيا لا تملك أوراقا كافية حالياً للتفاوض مع الغرب على ملفات مفتوحة مهمة جداً تخص حزامها الجيوسياسي الخارجي: أوكرانيا وقرمها، جورجيا المتمردة، البلقان مسرح الروس السلافي ثقافيا وعرقيا، سورية ورقة تفاوض مهمة يحتاجها الروس للاستمرار في لعبة البوكر الأممية الدائرة حاليا.

والروس أيضاً يريدون ضبط "عيار" أمنهم القومي الداخلي من خلال مجابهة المحاربين الروس الإسلاميين على الجبهة السورية بدلاً من الروسية، ربما روسيا فضلت أن تطفئ الجمرة في سورية قبل أن تمسك نارها بعباءة موسكو فتشعلها ناراً تلظى، كما يجب ألا ننسى أن حليفها الأسد وصل إلى مرحلة الغيبوبة، ولم تفلح أجهزة التنفس الروسية والمغذيات الإيرانية في جعله يقف "على طوله"، وحتى علاج بتر الأطراف والتخلي عن أجزاء واسعة من الأراضي السورية للتخلص من غرغرينا الانهيار لم يفلح في وقف تهاوي النظام عسكريا واقتصاديا، فكان لابد من تدخل الروس حالاً للقيام بتنفس صناعي مباشر له، ومن الشفة للشفة.

أضف إلى ذلك أن الروس يشعرون بالقلق من تزايد النفوذ الإيراني الهائل في سورية ويحبذون بوصفهم دولة عظمى "التكويش" على ملف الأزمة بما حمل، وأقصد هنا القدرة على إدارة اللعبة مباشرة من داخل دائرة النظام وبدون الحاجة إلى وسيط أو منافس إقليمي كإيران.

بعد شرح الأسباب المحتملة نأتي أخيرا إلى سيناريو ما بعد التدخل الروسي في سورية والذي سيتلخص كالتالي: لن تغامر روسيا بتدخل بري واسع داخل سورية، فتجاربها في أفغانستان والشيشان مؤلمة وهي تعلم أنه لا توجد قوة في الأرض تستطيع هزيمة شعب غاضب، وهي ستدعم خلال الفترة القادمة ما تبقى من مومياء النظام ليصمد فترة كافية ستعمل خلالها على السيطرة على مفاصله العسكرية والسياسية؛ لضمان استمرار نفوذها في المرحلة القادمة، النظام كنظام عند الروس غير قابل للتفاوض ولكن الأسد وضع آخر، فهي ليست عاشقة أسدية ولا ترى فيه مسألة حياة أو موت كما يفعل الكيوبيد الإيراني، إذ سيحاول الروس طرح بديل من داخل النظام أو بمعنى آخر سيعرضون بشار في "فاترينة" المفاوضات لحلحلة العقدة الأسدية التي يعتبر الغرب والخليج عدم رحيلها خطاً أحمر غير قابل للتفاوض، من هنا سيعمل الروس ومن هنا سيتغير المشهد السوري.

وبالأخير هناك سؤال مهم وهو: ماذا لو لم يشترِ أحد البضاعة الأسدية التي عرضتها روسيا و"تدبس" الدبّ في المستنقع السوري؟ هنا سيلجأ الروس إلى الحل الأخير- غير المرغوب به منهم حالياً- وهو إقامة دولة علويستان على الساحل، وهذا موضوع آخر سنناقشه في مقال آخر بإذن الله.